الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الإصلاح 

بواسطة azzaman

الإصلاح 

محمد زكي ابراهيم

 

 يحدثنا التاريخ كيف أن شعوباً كثيرة أضر بها أبناؤها، وكانوا أشد عليها من أعدائها، وكيف أن آخرين من خارجها، أعادوا لها الهدوء، ومنحوها ما تحلم به من طمأنينة.

 في العادة يبدأ الاستبداد من الداخل، ويجد في التركيبة الاجتماعية، ومنظومة القيم السائدة، والوضع الاقتصادي الصعب، أرضاً خصبة كي يمارس فيها طغيانه على الناس.

 ومن الصعب في ظل ظروف كهذه أن يندحر الاستبداد، وتتحرر منه البلاد، رغم أن أعداد المتذمرين لا تعد وتجمعات الكارهين لا تحصى، ومن الطبيعي أن تتطلع الأنظار إلى ما وراء الحدود طلباً للنجدة، أو العون، أو التدخل المباشر.

مثل هذا الأمر حدث في بلدان كثيرة، مثل ألمانيا واليابان وكوريا، في القرن الماضي وكانت النتائج مبهرة. إذ غدت بعد عقود قليلة من دول الصف الأول، وبات العالم يحسب لها ألف حساب، وآخر الغيث كان العراق، حينما انهار نظامه السياسي المتوحش عام 2003 على وقع أقدام جنود التحالف الدولي.

 ومثلما لم يكن بوسع الألمان أن يقفوا بوجه هتلر، ويواجهوا قواته التي اندفعت في كل مكان من أوربا، وتوغلت في شمال أفريقيا، ولم تنه غطرسته سوى الجيوش القادمة من شرق أوربا، وغربها، فإن العراقيين كذلك لم يكن بمقدورهم  إسقاط نظام صدام حسين بغير ما عون خارجي.

لقد جربوا كافة الطرق دون جدوى، وثاروا مرات عديدة ولم ينجحوا، فأيقنوا بعد ذلك أنهم لن يتمكنوا من الإطاحة بنظام قبلي – مخابراتي بمفردهم، ولا بد من قوة كبرى تزيحه عن كاهلهم، وهذا ما حدث في عام 2003، بعدما تعرضت الولايات المتحدة إلى اعتداءات إرهابية في 11 أيلول 2001, وما سبق ذلك من حصار مطبق على العراق بعد حرب عام 1991.

 وقد انقسم العراقيون أمام هذا التدخل بين مؤيد ومعارض، ومتحمس ومتردد، وهذا أمر متوقع بالطبع، فالاستبداد له أنصاره في كل زمان ومكان، وإذا كان دعاة المدنية أو ما يطلق عليهم الليبراليون الجدد قد شعروا بالنشوة إزاء هذا التدخل، فإنهم كانوا يظنون أن الوسادة ستطوى لهم، وسيتولون مقاليد الأمور، ويزيحون كل القوى الأخرى التي تخالفهم في التفكير والسلوك جانباً، لكن هذا الأمر لم يحدث أبداً، وسرعان ما خاضت الأحزاب الإسلامية الانتخابات، وحازت على الأغلبية، ومن المفارقات أن اليساريين القدامى انضموا إلى الليبراليين، وباتوا جزء لا يتجزأ منهم، في الوجهة والتفكير والسلوك!

إن أخطر ما في التدخل الأجنبي ضد الأنظمة المستبدة التي تقف حجر عثرة أمام حركة التاريخ، هو احتفاظ القوى الغازية لنفسها بحق النقض في الملفات الشائكة، فالبلدان التي تدخلت فيها الولايات المتحدة أثناء الحرب العالمية الثانية لم تستطع أن تقف على الحياد، حتى وقت طويل، لأنها لم تقو على إزالة آثار الخراب بغير المال الأميركي، والحماية الأطلسية.

ولم يتمكن العراق من كسر هذا الطوق إلا بعد سنوات، وكان يمكن أن يتوفر له ذلك بعد وقت قصير، لولا تحديات الخارج، وتداعيات الداخل، وأبرزها غزوات السلفيين.

إن الإصلاح الذي يأتي من الخارج إصلاح مشروط دون ريب، لكنه أفضل من إضاعة السنين بانتظار الظروف الموضوعية، التي تسمح للمجتمع أن يسترد حريته، بجهده الذاتي، وعزيمته القوية، ولا غرابة إذا ما كان السواد الأعظم منه يتشبث بالتدخل الأجنبي أول مرة، ثم يشتمه في ما بعد، فهذا أفضل من الوقوف بوجهه في المحطات الأولى، لأن معنى ذلك الانتصار لجلاديه الذين أطبقوا على أنفاسه سنوات طويلة ممضة، ولم يحفظوا فيه إلا ولا ذمة، وتركوه نهباً للآلام والأوجاع والحيرة.

 


مشاهدات 170
الكاتب محمد زكي ابراهيم
أضيف 2025/03/07 - 11:53 PM
آخر تحديث 2025/05/07 - 9:25 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 335 الشهر 10283 الكلي 11004287
الوقت الآن
الجمعة 2025/5/9 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير