الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
جهاد سعد لـ(الزمان): حضارة الغرب وثنية لا تمت إلى الأديان السماوية بصلة

بواسطة azzaman

جهاد سعد لـ(الزمان): حضارة الغرب وثنية لا تمت إلى الأديان السماوية بصلة

 

بيروت - أورنيلا سكر

قال المفكر الاسلامي الدكتور جهاد سعد العنف غير المسبوق وجريمة الإبادة الجماعية والتهجير القسري التي تحدث في غزة الآن، بدعم علني من المؤسسة الحاكمة في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، أعاد طرح الأسئلة العميقة  حول طبيعة الحضارة  الغربية  وخلفيات  العنف المفرط الذي تمارسه منذ ثلاثة قرون من الاستعمار. بحثًا عن أجابات شافية  أجرت (الزمان) مقابلة مع سعد، ركز فيها على ما يسميه الغرب الذي لا ينفك عن الحرب بسبب جذوره الوثنية الإسبارطية الرومانية وغلبة الإتجاه المادي النفعي على ثقافته. وفيما يلي نص المقابلة:

- من حقنا اليوم أن نسأل  هل الغرب حضارة ؟ وما هو  تفسيركم لتبني العنف المطلق في تحقيق المشاريع  الغربية في تاريخ الإستعمار؟

 يجب في البداية أن نتبنى تعريفاً للحضارة قبل أن نحكم، هناك اتجاهين في تعريف الحضارة، اتجاه الوصل بين الحضارة والثقافة يمثله شفايتسر واخرون بتعريف الحضارة بأنها كل تقدم مادي او معنوي وبذلك تكون الثقافة ذلك الشق المعنوي من الحضارة. واتجاه الفصل بين الحضارة والثقافة وأبرز من كتب فيه الدكتور علي عزت بيغوفيتش وهو في رأيي أصح وأنقى من الاتجاه الأول، لانه يجعل من الحضارة ذلك النشاط المادي الهادف إلى تسخير الطبيعة، ومن الثقافة تلك الصناعة المستمرة للانسان او كما يقول أحد مؤتمرات اليونيسكو أن الثقافة هي «كل مضاف إنساني على الطبيعة». أنا منحاز إلى هذا الاتجاه لانه يمكّننا من نقد الحضارة من منظور ثقافي كما يفعل غارودي وتشومسكي وكما فعل رينيه غينو من قبل،  ونعم هنا يمكّننا القول انه في مجال التقدم المادي في تسخير الطبيعة الغرب حضارة، ولكن الاتجاه المادي المفرط الذي بدا مع الثورة الصناعية وتفاقم بشكل مدمر مع الثورات التكنولوجية الأولى والثانية والثالثة والرابعة جعل من هذه الحضارة اقل انسانية يعني اقل ثقافة.

- لماذا هي اقل انسانية مع منظومات الحقوق الغربية؟

 لأن الغرب من البداية لم يضع هذه المنظومات الحقوقية، الا بعد اخضاع القانون والقيم إلى وثنيته المعاصرة وعنصريته المنافقة، وأحب ان أوضح ما معنى وثنية الغرب لان هذا الأمر بالغ الأهمية في زمن علمانية سياسية تتلاعب بالدين من أجل تحقيق أهداف هي أبعد ما تكون عن الدين.

قانون دولي

 من اكاذيب الدعاية الغربية اليوم القول بأن هذه الحضارة يهودية _ مسيحية،  لا بل هي وثنية تتعامل مع كل ما تصنعه، وكأنه اله من تمر تأكله عندما تجوع، فقد صنعت القانون الدولي وعطلته عندما احتاجت لذلك، وصنعت المجتمع المدني ثم عسكرته او اخضعته للوبيات التصنيع،  وصنعت المستبدين في مناطق هيمنتها لحراسة التخلف وتأبيد الهيمنة ثم اسقطتهم عند الحاجة.  ثم إن الدين هو المطلقات الاله الواحد المطلق والقيم المطلقة لكل إنسان والإنسان كله. وهذه الحضارة لا تعرف المطلقات كل شيء عندها نسبي ويخضع لتغير المصالح ومناطق النفوذ. فهي اكثر من مزدوجة المعايير انها تقول الشيء ونقيضه في زمن آخر او مكان آخر، ويعود هذا في تقديري لا إلى التمسك بالهوية الدينية بل العكس تماما يعود إلى ترك المسيحية مرتين والسعي لهيمنة الحركة الصهيونية العالمية  العلمانية على الديانة اليهودية.

- ما المقصود بترك المسيحية مرتين ؟

 يوجد طمس غريب ل300 سنة، الأولى من عمر المسيحية، وهي بنص القرآن الكريم كانت دين التوحيد على الأرض.  ولعله لم تتم الإضاءة بما يكفي على الاهتمام القرآني بهذا الأمر، اولا: من جهة تكريم السيدة مريم عليها السلام وإفراد سورة بإسمها وبيان الرعاية الإلهية لها واعجاز حملها وولادتها وبيان أن النخلة التي ولد المسيح عليه السلام تحتها كانت مجرد جذع اورق وأعطى ثمارا ناضجة بمجرد ان وضعت يدها عليه سلام الله عليها . والمنصف في الأديان المقارنة سيرى ان مريم عليها السلام في القرآن اهم منها في العهد الجديد او الاناجيل المعتمدة . اما السيد المسيح عليه السلام فذكرت معجزاته كلها بما فيها تلك التي تبرهن عن تأييد الهي خارق. ونحن نقول المعجزة هي خرق العادة وليست خرقا لنظام الأسباب والمسببات.  فالمسيح أيضا في القرآن الكريم نبي موحد بل ذروة في التوحيد وفي الاناجيل إشارات واضحة إلى توحيده لا تتم الإشارة إليها خصوصا بعد مجمع نيقيا سنة سنة 325م . أعود إلى ال300 سنة الأولى فنرى ان اهل الكهف المسيحيين نزلت فيهم سورة أيضا وسبحان الله ناموا بمعجزة من الله 309 سنوات وهي الفترة نفسها التي نتحدث عنها وقال القرآن الكريم : «انهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى».  ومن المؤكد ان القرآن يقصد الايمان بالتوحيد . ونزلت آيات في أصحاب الأخدود الذين احرقوا المؤمنين المسيحيين بسبب إيمانهم، وخصصت آيات من سورة يس وهي قلب القرآن للحديث عن الحواريين ودعوتهم للقرية المشركة إلى الايمان.  فالانعطافة الأولى، في ترك المسيحية التوحيدية كانت عندما حول جستينيان المسيحية من دين التوحيد إلى أيديولوجيا للسيف والسلطة الرومانية الوثنية، وذلك عندما تمت كتابة الايديولوجيا الجديدة في مجمع نيقية سنة 325 م وتم أعمال السيف بمن بقي على التوحيد المسيحي كآريوس واتباعه في الإسكندرية وشبه الجزيرة الايبيرية . المسيحية في ذلك الحين أصبحت رومانية اكثر مما تحولت روما إلى المسيحية،  ومنذ ذلك الحين غرقت الكنيسة البابوية في سحر السلطة وأخذت تنافس الاباطرة والملوك كسلطة زمنية، فما كان منهم إلا ان اسقطوها في عصر النهضة وكان رمز النهضة هو نشوء سلطة ملكية في كل بلد اوروبي انكلترا فرنسا أسبانيا ضد البابا من جهة ، و الإمبراطور من جهة أخرى، الذي كان انذاك في النمسا

وثنينة يونانية

في عصر النهضة لم يخف المفكرون الغربيون عودتهم إلى الوثنية اليونانية الرومانية وتركتم للتفسير المسيحي للفلسفة اليونانية.  والى الان لا يزال الإله الوثني بروميثيوس الذي سرق شعله المعرفة من الالهة رمز التمرد الغربي على الدين عموما و المسيحية خصوصا.  والتصريح العلني بأن الوثنية هي دين النهضة موجود بوضوح في النصوص الفلسفية وفي تاريخ الفكر السياسي عند جان جاك شفالييه وغيره.

 ومن منظور معاصر اكثر الوثنية هي عبادة ما نصنع سواء كان تمثالا او تكنولوجيا. وتحويل التكنولوجيا إلى ايديولوجيا كما نرى عند يورغان هبرماس هو بالضبط وثنية تكنولوجية،  وايمان مفرط بأن مشكلات الحداثة تحل بالمزيد منها، هو وقوع في أشكال الدور في المنطق و الفلسفة او وقوف الشيء على نفسه، هربا من حل مشكلات النسبية المطلقة بالإيمان المطلق بالله والإنسان.

- تركز في بعض كتاباتك على ما تسميه «الغرب والحرب» أو «العنف والطاغوت» في المصطلح القرآني، فما الهدف من هذا التركيز؟

 الهدف هو كشف القناع عن حقيقة الغرب الذي لا تنفك طبيعته «الوثنية والسادية» وثقافته «الرومانية _ الإسبارطية « عن العنف كآلية سيطرة على الطبيعة والإنسان كل إنسان بما فيه المواطن الضحية الذي يعيش تحت هالة الماكنة الضخمة في الدول الغربية نفسها. وفي الوقت نفسه تتكلم إسبارطة الكبيرة بلغة أثينا الفلسفية لستر الطبيعة العنفية وتسويق المشاريع بلغة منطقية وحقوقية وصور نمطية إعلامية تم تصنيعها باتقان.

لذلك أرى من الضروري أن نفرق بين الغرب المؤسسة ، والغرب الناس الفطريين، الذين يعانون من مكنة تفريغهم من الروح والضمائر وتحويلهم إلى آلات تسعى وراء زيادة ثروة النخبة الحاكمة أو ال 1% لتحصل على فتات، وتستهلك عمرها في دورة عمل مضنية لخدمة أخطر نظام سيطرة في التاريخ.

دعينا نتحدث بلغة الأرقام أولاً: يوضح لنا موقع الصين بالعربية قوة الدعاية الصهيونية الغربية فيقول:»  75 مليون إنسان ماتوا في الحرب العالمية الثانية، منهم 27 مليون من الاتحاد السوفيتي ماتوا في قتال النازيين، و20 مليون صيني قتلوا في الغزو الياباني، و200 ألف مدني ياباني ماتوا في القصف الذري الأمريكي، و100 ألف مدني ألماني ماتوا في قصف مدينة دريسدن.

 لماذا يتذكر العالم كله الضحايا اليهود اليوم فقط؟ وتذكروا أن 26 ألف مدني في غزة ماتوا في الأشهر الثلاثة الماضية والمذبحة مستمرة اليوم.

مبدأ إلغاء من فوق الارض لاستثمار ما عليها وما تحتها، هو المبدأ المؤسس للحضارة الغربية الإستعمارية. وقد مورس في كل أرض دخل إليها «الأوروبي والأميركي»، فبعد الحربين العالميتين المدمرتين، لم تتوقف الحروب ابداً، كل ما في الأمر أن امتلاك القوى العظمى للسلاح النووي أجبرها على نقل صراعاتها إلى ساحات العالم وهذا ماسمي «بالحرب الباردة» من أربعينيات القرن الماضي إلى سنة سقوط الإتحاد السوفيتي رسميا سنة 1991. وفي هذه السنة بالذات تلقى الإتحاد السوفيتي أمرا من الولايات المتحدة  بتزويد صدام حسين بالسلاح الروسي للقضاء على الإنتفاضة الشعبانية في الجنوب العراقي، والتي انطلقت بعد تحرير الكويت وتدمير الترسانة العراقية ، وبالفعل بدأت أصوات الطائرات الروسية تسمع فوق فندق الرشيد في ظل حظر جوي كامل فرضته الولايات المتحدة الأميركية. هذا فيما استمر التنكيل بالعراق بحصار غير مسبوق إلى سنة 2003 سنة سقوط النظام الذي كان في تلك الايام قد ترنح ولا يحتاج إلى كثير عناء للسقوط.  ولكن أميركا اصرت على استخدام أبشع أنواع الأسلحة بما فيها اليورانيوم المنضب ورمت 82 ألف طن بحجة إسقاط النظام وكان الهدف حملة عسكرية لتدمير العراق وتقسيمه في الواقع، ولا يزال الشعب العراقي يعاني صحيا وبيئيا من انتشار السرطان إلى الآن كنتيجة طبيعية لذلك القصف الإجرامي الذي لوث الحجر والشجر والأرض والماء والهواء ... وهنا نتذكر أن أول 6 شركات عالمية من اصل 10 للمتاجرة بأدوية السرطان هي أميركية ، فالعسكر الأميركي وهو يرمي اليورانيوم المنضب يوفر فرصة عمل لشركات الأدوية الاميركية، وهكذا تصنع أميركا الألم وتستثمره، وتصنع الجرائم والأزمات والحروب وتديرها لا لتنتهي بل لتجددها كلما نزلت الأرقام والاسهم على شاشة مؤشر داو وجونز

- ماذا عن  المنظور الإسلامي العنف والطاغوت؟

إنه استفادة فلسفية من قوله تعالى في آية الكرسي: « فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى، لا انفصام لها والله سميع عليم». فهذه الآية ترتفع ككل المصطلحات القرآنية عن التصنيفات البشرية وتقول إما عبادة الإله الواحد الأحد الذي لا شريك له وإما الطاغوت وهو الذي طغى وتجبر وتجاوز حده وأنكر الخلق والخالق، ثم تستمر القسمة القرآنية فتضع الإله الواحد إلى جانب المستضعفين والطاغوت كتجسيد للمستكبرين. فلا عالم أول ولا عالم ثالث بل كل التاريخ البشري عبارة عن صراع بين حفنة من الطواغيت تتلاعب بالعقول والأرزاق والارواح كفرعون الذي استخف قومه فأطاعوه، والمستضعفين بقيادة الأنبياء والرسل والأولياء... والله المدافع عن المستضعفين هو السلام والإسلام هو التسليم الذي ينتج منه   سلام مع النفس ومع الآخر ومع الطبيعة ، وفي دعاء الرسول صلى الله عليه وآله: اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يعود السلام. والسلام هذا موجود في عمق الفطرة واصل الخلقة بين التوحيد والنفس، وبين الوعي البشري والحقيقة، أما الطواغيت فهم الذين يعيشون على الصراع والنزاعات والحروب، ويضعون الصور النمطية في طريق الوعي لحجب الحقيقة، فيخلقون بواسطتها العدو المصطنع : استخف قومه فأطاعوه... ما أظن لكم من إله غيري... ما أريكم إلا ما ارى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد... سبحان الله ما أشبه الأمس باليوم. عندما تستخدم أميركا خداع اللغة نفسه : فتسمي هيمنتها ونهبها لثروات الأمم «استقرارا» ومن يهدد هيمنتها يزعزع الإستقرار،  وتسمي حلف حماية الجرائم الصهيونية حلف حماية الإزدهار.. فيقول القرآن: إن هي إلا اسماء سميتموها أنتم واباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان. والسلطان من أسماء العلم في القرآن، وفرعون هو الاب الحقيقي لهذه الاسماء... القرآن متنبه جدا إلى اللغة كسلاح في الحرب ويقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ. لأن مهمة الشيطان وأتباعه من المستكبرين هو صناعة الحروب والنزاعات والعيش على التناقضات وحجب الحقيقة. فالله والإسلام والسلم والحقيقة دائمًا في مواجهة الطاغوت والحرب والأكاذيب التي تتغذى منها الحروب. وهنا مشكلة مهمة جدا وهي أن الكذاب  مضطر أن يكون أنشط من الصادق لأن حبل الكذب قصير، والوعي يتجه بالفطرة إلى الحقيقة فكلما  تحرر الوعي من كذبة يتحرك صانع الأكاذيب لفبركة كذبة أخرى ولذلك نجد القرآن يستفز المؤمنين للدفاع عن حقهم وحقيقتهم  وينبه: اذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا. وبناء على هذا بينت في كتابي « حضارة الصدام والثقافة المقاومة» أن المشكلة ليست في طبيعة الحضارات وليس من شأن الحضارات أن تتصادم فلا يوجد بالتالي صدام بين الحضارات ، بل الموجود حقيقة هو «حضارة صِداميّة « عنفية تتغذى على الدم وتقوم على إلغاء الآخر.

-              وماذا عن الفتح الإسلامي ألم يكن إلغاء للآخر؟

أنا أحيلك هنا إلى المستشرق الهولندي  رينهارت دوزي وتفسيره التاريخي لفتح المسلمين للأندلس، وإلى صمويل اتنجر الذي أرخ لحياة اليهود بين المسلمين، وإلى معاملة الإمام علي لصوامع الرهبان في حروبه. وإلى الحادثة الشهيرة  في الفتح العربي للقدس عندما رفض الخليفة الثاني الصلاة في الكنيسة حتى لا يصبح الإستيلاء على الكنائس سنة... وإلى الأدوار العميقة للقوميات الإسلامية  في الحضارة الإسلامية  من عرب وفرس وترك ... إندماج القوميات  والأديان المتعددة في الحضارة الإسلامية لم يتكرر في أي حضارة بعدها.. ومن المهم أيضا أن تراجعي حوارات الأئمة مع اقطاب الديانات الأخرى وخصوصا الإمام علي  والإمام الصادق والإمام الرضا عليهم السلام جميعا. ورقي الحوار واستخدام الدليل والبرهان في أرقى ما يكون الحوار.

_ وماذا عن استخدام التكنولوجيا لبسط السيطرة الغربية على العالم؟

بإمكاننا أن نفهم لماذا اختار آر. إيه. بوكانان ، أن يسمي كتابه The Power of the Machine  أي “قوة الآلة”، ولأن كلمة Power   تحتمل معنى القوة والنفوذ والسلطة اختار شوقي جلال أن يترجمه بعنوان « الآلة قوة وسلطة» وهو أدل على محتوى الكتاب،  وبالفعل لطالما كانت الآلة مصدر قوة ونفوذ ، حتى بروز هذا الدور وتلك الوظيفة في العصر الحديث الذي يؤرخ له بوكانان، ابتداء من القرن السابع عشر وهو القرن الذي شهد ولادة الدولة الحديثة أيضاً . صدر الكتاب سنة 1992م، بداية عقد الإنفجار الكبير للأنترنت وشبكات التواصل الإجتماعي، ومن أهم ما ورد فيه أنه لا ينسى أنه بصدد دراسة «سلوك بشري»،  فالآلة مهما تعاظمت قوتها وفعاليتها ودقتها تبقى مجرد أداة  لمستخدم  هو الإنسان. والصراع الفلسفي والقانوني حول حرية الإرادة الإنسانية وما يمكن تسميته «بالقدرية التكنولوجية» ، يؤكد دائما أن «الإنسان هو الفاعل التكنولوجي الحقيقي»، مهما حاولوا خداعنا بعناوين الذكاء الصناعي والتعلم الآلي...

إن موقف الأديان من الأدوات والمعادن من حيث المبدأ موقف إيجابي، والكتب المقدسة تشير إلى أن الله سبحانه علم أنبياءه بعض الصنائع وحثهم على البناء والتقدم في هذا المجال. وتعرض الكتب المقدسة لأشكال من الإستخدام الإيجابي للأدوات والأسباب، (مثال : إدريس، وداوود، وذي القرنين...) وأشكال أخرى من الإستخدام السلبي لها خدمة للطغيان وتكريس ألوهية الحاكم المزيفة. (مثال فرعون وهامان والسامري وقارون).

في المحصلة كان من الطبيعي أن يتجه الغرب إلى تحويل التكنولوجيا إلى إيديولوجيا  بعد إفلاس الفلسفة، وما كشفه تيار ما بعد الحداثة عن أن المعرفة التي طالما خدعونا بأنها علمية محايدة وموضوعية ليست إلا حقلا من حقول السلطة.. وهذا هو الإستخدام الوحيد حالياً للتكنولوجيا بسط السلطة والسيطرة، ولكن مجالات الإستخدام المعاكس تبقى دائما متاحة خصوصا بعد التحرر من فكرة الحتمية «التكنولوجية».  ولأن التكنولوجيا كائن مادي أجوف مضمونه برنامج بشري فإن التفاهة تسير مع التقدم التكنولوجي كلما تم تصغير الإنسان مقابل ما يصنع وهذا ما سميناه «الوثنية التكنولوجية» المعاصرة.

_ بالختام، ما هو الحل برأيكم؟

بكل اسف نجح الغرب في تجزءة مقاومته بينما هو يحتكر المشروع الشامل الذي يغطي كل مجالات الحياة، لذلك يكمن مفتاح الحل في توسعة ساحات المواجهة بحيث تشمل كل المجالات العسكرية والامنية والثقافية والإقتصادية والتكنولوجية والحقوقية... والإعلامية فلا يمكن التحرر من النفوذ الغربي فقط بالمواجهات العسكرية فيما هو قادر على ممارسة نفوذ وحصار وفرض عقوبات في الإقتصاد، والتحكم بسلاسل التوريد ، وسعر العملة، وممرات الطاقة...المشروع المقاوم للهيمنة الغربية يجب أن يتسع بحيث تنتج كل مقاومة ثورتها السلمية على اشكال التحكم المرئية وغير المرئية ، وكل ثورة دولتها التي تؤمن استقلالا وسيادة حقيقية على أرضها ومواردها، فتحرر شعبها من نظم العقوبات بواسطة التخلص من المنظمات الوكيلة والأصيلة التي كرست الهيمنة الغربية على كل التفاصيل بعملية عميقة ومعقدة منذ الحرب العالمية الثانية. أما الخطوة التالية والمكملة  والطموحة فهي أن تشكل الدول المستضعفة من قبل الغرب بعد تحررها منظومة تكاملية تمكن كل دولة من الإستفادة من الآخرين مع الإحتفاظ بسيادتها وخصوصياتها. أقول تكامل ولا أقول إتحادات لأن التكامل اكثر واقعية ومرونة من تجارب التوحيد الإيديولوجي السطحي.


مشاهدات 657
أضيف 2024/02/13 - 4:21 PM
آخر تحديث 2024/04/28 - 4:25 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 213 الشهر 11376 الكلي 9137283
الوقت الآن
الإثنين 2024/4/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير