الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
موقف الإتحادية العليا من الإختصاص الإنضباطي لرئيس الوزراء

بواسطة azzaman

موقف الإتحادية العليا من الإختصاص الإنضباطي لرئيس الوزراء

احمد طلال البدري

 

من المعروف ان النظام التأديبي (الانضباطي ) في العراق اخذ بما يعرف بسلطة التأديب الرئاسية من خلال اعطاء الرئيس الاداري صلاحيات انضباطية واسعة بموجب قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1919 المعدل  لضمان سير المرافق العامة العامة بانتظام واطراد، ولضمان حسن الاداء الوظيفي ، وهو بذلك اي القانون قد غلب مبدأ فاعلية الاداراة على ضمانات الموظف ، حتى انه سمح للرئيس الاداري فرض بعض العقوبات الانضباطية بدون تشكيل لجان تحقيقية التي تعد من اهم الضمانات المقررة للموظف قبل فرض العقوبة الانضباطية عليه ، والاكتفاء باستجواب الموظف قبل فرضها ،وهذا يعكس اعتناق المشرع لفكرة المركزية في العمل الاداري وفكرة التدرج الوظيفي التي تعني خضوع الموظف الادنى للموظف الاعلى وان مثل هذا الخضوع يتطلب ان يكون للرئيس الاعلى صلاحيات ضبطية لضمان تنفيذ الاوامر والقرارات والتوجيهات .

ومع اقرار دستور جمهورية العراق لسنة 2005 تضمنت المادة (78) منه الواردة ضمن الفصل الثاني الخاص بالسلطة التنفيذية التعريف برئيس مجلس الوزراء حيث نصت على ( رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة ، والقائد العام للقوات المسلحة ، يقوم بادارة مجلس الوزراء ، ويتراس اجتماعاتة ،وله الحق باقالة الوزراء ، بموافقة مجلس النواب ) ، كما اشارت المادة (80) منه الى صلاحيات مجلس الوزراء ومنها ماورد في الفقرة (اولاً) المتعلقة بتخطيط وتنفيذ السياسات العامة للدولة والخطط العامة والاشراف على عمل الوزرات والجهات غير المرتبطة بوزارة.

هيئة اعتبارية

والملاحظ ان النصوص المذكورة لم تخول رئيس الوزراء اية صلاحيات وانما وردت لمجلس الوزراء الذي يمثل هيئة اعتبارية منحها الدستور صلاحيات يتم ممارستها من خلال اعضائها، كما لم يرد ضمن هذه الصلاحيات تخويل مجلس الوزراء بفرض عقوبات انضباطية او تشكيل لجان تحقيقية ، خارج النصوص الواردة في قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام انف الذكر ، وقد كان نص المادة (78) من الدستور محلاً لطلب التفسير من المحكمة الاتحادية العلياً استناداً للمادة (93/ ثانياً) من الدستور ، وقد اصدرت المذكورة قراراين في فترة زمنية متقاربة ، سنتاولهما مع التعليق فيما يأتي :

اولا: القرار التفسير بالعدد (267/ اتحادية/ 2024) في 10/2/2025 : والذي تتلخص وقائعه بقيام رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني من خلال مكتبه بمفاتحة المحكمة الاتحادية العليا طالباً تفسير المادة (78) من الدستوروبيان ان كان من مقتضى المادة المذكورة تمكين المسؤول التنفيذي المباشر للسياسات العامة من اسباب ادارة الجهاز التنفيذي للدولة ومن متطلبات ذلك ان يكون لرئيس مجلس الوزراء سلطة تقديرية مناسبة في مساءلة موظفي الدولة انضباطياً دون التقيد بانتمائهم لوزارة معينة ، فضلا عن تشكيل لجان تحقيقية بحقهم بالاشارة للمادة (14) من القانون التي منحت رئيس مجلس الوزراء او الوزير او رئيس الدائرة غير المرتبطة بوزارة فرض احدى العقوبات التالية على الموظف التابع لوزارته او دائرته والمشمول باحكام هذا القانون .

صلاحيات انضباطية

وقد خلصت المحكمة الاتحادية العليا الى ان لرئيس الوزراء صلاحيات انضباطية فيما يتعلق بفرض العقوبات الانضاطية او تشكيل اللجان التحقيقية على الموظفين دون التقيد بانتمائهم لوزارة معينة ، حيث جاء في حيثيات القرار المذكور ( ...تجد المحكمة الاتحادية العليا انه مما لاشك فيه ان متابعة عمل الوزارات والدوائر التابعة للسلطة التنفيذية يدخل ضمن هذا المفهوم .

 ويستوجب ان يكون لرئيس مجلس الوزراء الصلاحيات التي تخوله تقويم العمل واثابة الموظفين الجيدين ومعاقبة الموظفين المخالفين لاحكام القوانين وواجباتهم الوظيفية ، وان ذلك يستدعي ان تكون له صلاحية فرض العقوبات الانضباطية بعد تشكيل اللجان التحقيقية وابداء رائيها في ذلك بغية الحفاظ على حق الموظف الذي تفرض عليه العقوبة بالدفاع عن نفسه وحقه في ان يسلك طرق الطعن المقررة قانوناً بقرار فرض العقوبة  بحقه ، وهذا ما يؤيده ماورد في المادة (80) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 التي منحت رئيس مجلس الوزراء اختصاص الاشراف على عمل الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة وصدر القرار بالاتفاق باتاً .....) .

 

ولنا على القرار المذكور التعليق الاتي :

1.            وفقاً لقاعدة ( من يملك الكل يملك الجزء) يفترض فيمن يملك الصلاحيات الادارية العليا ان يملك ادواتها ووسائلها ومنها الصلاحيات الانضباطية ، الان ان المادة (80) من الدستور التي استندت اليها المحكمة في تفسيرها تتعلق بصلاحيات مجلس الوزراء وليس شخص رئيس الوزراء كما ورد بالقرار ، وان مجلس الوزراء يمارس هذه الصلاحيات كهيئة ولاتنحصر او تتركز برئيس الوزراء ، كما لم نجد ضمن هذه الصلاحيات مايشير الى مكنة تفويضها لرئيس المجلس ، وبالتالي فان الاشراف على عمل الوزرات والجهات غير المرتبطة بوزارة من اختصاص المجلس وليس رئيس المجلس ، وان رئيس الوزراء يمكنه متابعه عمل الوزارت من خلال وزارئة وهذا مانصت عليه المادة (15) من النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم (2) لسنة 2019 المعدل التي نصت على ان ( يقوم الرئيس بتوجيه نوابه والوزراء ومن هم بدرجة وزير ورؤساء الجهات الغير مرتبطه بوزارة ومتابعه ادائهم ويتابع حسن عمل الوزارات وينسق بينها) ، وبالتالي نرى امكانية قيام رئيس الوزراء بمتبعة عمل الوزارات من خلال توجيه الوزراء لمباشرة صلاحياتهم الانضباطية .

2.            ان تفسير المحكمة الذي يذهب الى منح رئيس الوزراء صلاحية فرض العقوبات الانضباطية وتشكيل اللجان التحقيقية للموظفين خارج نطاق دائرته وبغض النظر عن انتماء الموظفين لوزارة معنية يصطدم مع نصوص قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل وتحديداً المادة (14/ ثانياً) منه التي نصت على ان ( لرئيس مجلس الوزراء او الوزير او رئيس الدائرة الغير مرتبطة بوزارة فرض احدى العقوبات التالية على الموظف التابع لوزارته او دائرته والمشمول باحكام هذا القانون ) ووفقاً للنص المذكور لايملك رئيس الوزراء معاقبة موظف خارج نطاق مجلس الوزراء ، وان القول بخلاف ذلك يقتضي اتخاذ تدابير تشريعية لتعديل النص المذكور ، كما ان المادة (12/ثانياً) من القانون خولت مجلس الوزراء فرض العقوبات الانضابطية على المدير العام اذ ظهر للوزير من خلال التحقيق انه ارتكب فعلاً يستدعي عقوبة اشد مما مما مخول به والزم القانون الوزير بعرض الامر على مجلس الوزراء متضمناً الاقتراح بفرض العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون ، اذ نجد حتى فرض العقوبات الانضباطية الاشد على المدير العام والتي تقع خارج نطاق صلاحيات الوزير الانضباطية هي من اختصاص مجلس الوزراء وليس رئيس الوزراء ، وهذا يتطلب كما اشرنا تدخل ومراجعة تشريعية للقانون لتكوم متوائمة مع نصوص دستور 2005.

3.            كنا نتأمل من المحكمة ان تكشف عن هذا القصور التشريعي في عدم موائمة نصوص القانون مع دور رئيس الوزراء في ظل دستور 2005 وان تضمن حكمها فقرة ايعازية لمجلس النواب لتعديل القانون واعادة التوازن بينه وبين نصوص الدستور .

4.            اشار القرار الى ضمانات الموظف في فرض العقوبات الانضباطية منها التحقيق الاداري وحق وحق الدفاع سواء في مرحلة التحقيق الاداري او مابعد فرض العقوبة من خلال حق الموظف الذي فرضت عليه العقوبة باللجوء الى الطعن امام المحكمة المختصة بعد التظلم منها، كما تضمن القرار الاشارة الى مبدأ الثواب والعقاب في تقويم السلوك الوظيفي.

ثانياً : القرار التفسيري بالعدد (225/اتحادية/ 2025) في 24/12/2025 : حيث اعاد وزير الصناعة والمعادن السيد خالد بتال نجم توجيه طلب الى المحكمة الاتحادية العليا لتفسير نص المادة (78) من الدستور ويبدو ان الوزير المذكور لم يطلع على تفسير المحكمة السابق للمادة المذكورة ، ولنا على القرار المذكور الملاحظات الاتية :

1.            اكدت المحكمة على مضمون قرارها التفسيري السابق حيث جاء في حيثيات القرار ( ... رأت المحكمة في حينها ان احكام المادة (14/ثانياً) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل وما ورد فيها من تخويل لرئيس مجلس الوزراء بفرض عقوبات انضباطية محدودة لاينحصر بالموظفين العاملين في التشكيلات الادارية التابعه لمجلس الوزراء حصراً ، بل يمتد عند الضرورة التي تقتضيها استمرار المرافق العامة بنتظام واطراد الى موظفي الوزارات والجهات غير المرتبطه بوزارة استناداً للولاية التنفيذية التي منحها الدستور لرئيس مجلس الوزراء بموجب احكام المادتين (78 و80) من الدستور...) حيث نجد ان المحكمة اكدت تفسيرها السابق لكنها اضفت عليه تسبيباً جديدأ منطلقة من نظرية الضرورة لتسيير المرافق العامة بانتظام واطراد ، وان المفهوم المخالف يعني ان لايمارس رئيس الوزراء مثل هذه الصلاحيات اذا انعدمت حالة الضرورة ، وهنا نتسأل ماهو دور الوزراء ووكلائهم في تسيير المرافق العامة ؟ .

2.            خففت المحكمة من صرامة رأيها التفسيري الاول بالقول ( ان تفسير المحكمة انفاً لايمكن حمله على النحو الذي يودي الى تجريد الوزراء ورؤساء الجهات غير المرتبطه بوزارة من صلاحياتهم الاصلية في ادارة شؤون وزاراتهم والاشراف عليها وادارة شؤون موظفيهم الثابته بنصوص قانونية نافذه ولا الى تقرير ولاية مباشرة لرئيس مجلس الوزراء على جميع موظفي الدولة على نحو يمس مبدأ التدرج الاداري والاختصاص النوعي للرئيس الاداري المباشراذ ان سلطة الرئيس الاعلى في المفهوم الاداري لاتعني حلولاً شاملاً محل الرئيس الادنى بل تعني في نطاقها الطبيعي سلطة الاشراف والتوجيه وضمان سلامة الاداء ....) ، وهنا نجد ان المحكمة تقر بأن الاختصاص الاصيل معقود للرئيس الاداري وان مثل التخويل يمس مبدأ التدرج الاداري ومبدأ التخصص وعدم جواز حلول الرئيس الاعلى محل الرئيس الادنى ، وبررت تفسيرها ان ممارسة رئيس الوزراء لهذه الولاية الانضباطية على كافة موظفي الدولة استناداً لحق الاشراف والتوجية ، والحقيقية ان الاشراف او التوجيه او الاجازة اللاحقة او التعقيب او المصادقة من مرجع اعلى كلها اساليب مستقرة في العمل الاداري لكنها تسند لنصوص قانونية واحياناً لاعراف ادارية فالقرارات الادارية ليست جميها تحتاج لمصادقة جهة اعلى لتكتسب شكلها النهائي .

3.            اعادت المحكمة في قرارها الثاني تفسير قرارها التفسيري الاول وانكرت على رئيس الوزراء ممارسة الاختصاص الانضباطي مباشرة من قبله وانما يتم بواسطة وزراءه ، حيث جاء في حيثيات قرارها ( ....لذا فأن ماورد بالقرار التفسيري الصادر من هذه المحكمة هو ان يمارس رئيس الوزراء دوره الانضباطي تجاه موظفي الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة من خلال الطلب من الوزير المختص او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة بتشكيل لجنة تحقيقية تتولى التحقيق مع الموظف المحال عما نسب اليه من مخالفات تتعلق بالوظيفىة ، ويكون لرئيس الوزراء متابعة سلامة الاجراءات وضمان خضوعها للقانون دون ان يحل محل الرئيس الاداري المباشر في تشكيل اللجان التحقيقية او فرض العقوبات الانضباطية بحق الموظف ...) ووفقاً لما تقدم استخدم القرار عبارة ( دوره الانضباطي) ولم يشر الى (صلاحياته الانضباطية) بعد ان قرنت هذا الدور بسلطة الاشراف والمتابعة من خلال الطلب الى صاحب الاختصاص الاصيل باتخاذ الاجراءات الانضباطية فيما يتعلق بتشكيل اللجان التحقيقية او فرض العقوبات الانضباطية ، وهذا التفسير اعادنا الى الحالة الاولى وهي ان رئيس مجلس الوزراء لايملك الصلاحية الانضباطية بموجب نصوص قانون الانضباط النافذه لكن هذا لايمنع مؤكدأ من الاشراف او المتابعه مع صاحب الاختصاص وهو الوزير او رئيس الدائرة .

4.            خلاصة ماتقدم يمكن القول ان القرار الاخير للمحكمة تراجع عما ذهب اليه في قراره التفسيري الاول من خلال اغتنام طلب التفسير الثاني لاعادة تفسير مضمون الطلبين والخلاصة التي توصلت اليها المحكمة ان رئيس مجلس الوزراء لايمارس الاختصاص الانضباطي فيما يتعلق بتشكيل اللجان وفرض العقوبات الانضباطية كون الاختصاص المذكور معقود للرئيس الاداري المباشرولا يباشر رئيس الوزراء الدور الانضباطي الا من خلال الطلب من الرئيس الاداري المباشر وبما يحفظ مبدأ الاختصاص ويحقق الانسجام بين الدستور والقانون ...والله ولي التوفيق .

 


مشاهدات 49
الكاتب احمد طلال عبد الحميد البدري
أضيف 2025/12/30 - 4:29 PM
آخر تحديث 2025/12/31 - 1:02 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 31 الشهر 22969 الكلي 13006874
الوقت الآن
الأربعاء 2025/12/31 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير