أخلاق الظل
فراس الحمداني
حين تبهت القـــــيم في العلن وتعلو الأصوات بالشــــعارات ويصبح الفساد ممارسة يومية لا صدمة فيها تعود بعض القصص الإنسانية لتفرض سؤالا» أخلاقيا» لا يمكن تجاهله .
يروي الكاتب الباكستاني مرزا اديب في كتابه ( المصباح ) انه كان هناك رجل يعمل في دلهي ثم فصل من عمله وفي يوم من الايام نزل من الحافلة وبعدها اكتشف ان احدهم سرقه ولم يكن في جيبه إلا تسع روبيات ورسالة كتبها لأمه في الرسالة اخبر أمه أنه لا يستطيع هذا الشهر ان يرسل لها مبلغ الخمسين روبية المعتاد لأنه فصل من عمله وكان ينوي ارسال الرسالة عندما يجد مالا بعد ايام وصلت رسالة من امه فخاف ان تكون تطلب المال لكنه تفاجأ بأنها تشكره وتدعوا له وتخبره ان خمسين روبية وصلتها منه في وقتها تعجب الرجل كثيرا ولم يعرف من الذي ارسل المال بعد ايام وصلته رسالة من شخص مجهول اخبره انه اخذ المال من جيبه في الحافلة ووجد الرسالة فاثر في قلبه كلام الام فاضاف من ماله واحدا واربعين روبية وارسلها الى امه حتى لا تجوع وختم رسالته قائلا» ( سامحني انا الذي اخذت مالك في الحافلة ) ..
هذه الحكاية تكشف بوضوح الفرق بين من يسرق بدافع الحاجة ومن يسرق بدافع السلطة والنفوذ بين من يخطئ ثم يصلح وبين من يخطئ ويشرعن الفساد بأسم القانون والمناصب في العراق اليوم نرى سرقات ضخمة لا تتم في الخفاء بل على مرأى الجميع وفي نفس الوقت لا نجد ضميرا» او اعتذارا» يوازن الضرر الذي وقع على شعب كامل
القصة تجعلنا ندرك ان الأخلاق الحقيقية ليست مرتبطة بالمظاهر او بالمكانة الاجتماعية بل بالضمير الداخلي وبالقدرة على الشعور بالآخرين ..
ذلك السارق في الحافلة تصرف في الظل لكنه حافظ على جوهر الاخلاق بينما كثير ممن يتحركون في الضوء يفقدون كل معايير الضمير .
تبقى هذه الحكاية لتذكرنا بأن القيم ليست مجرد كلام بل افعال صغيرة تقاس بالضمير والرحمة وان بعض النبل يعيش بعيدا» عن الاضواء وأن في هذا العالم حتى في الظلام قد تنبت فيه أخلاق الظل .