أثر العلم على أخلاق الفرد والمجتمع
وليد حسن حميد الزيّادي
لا شك في أنَّ العِلم هو أساس تَقدّم الأمم وتَطوّرها، وهو الوَسيلة العُظمى لبلوغ الأمجاد وتجميل شكل الحياة؛ فبه ترتقي الشعوب ويُكتب لها الرفعة، وهو الذي ينير حياة الإنسان؛ فيُخرجه من الظلام إلى النور، ومن الموت إلى ألَّا موت، فيبث به الحياة.
وقد حثت شريعتنا الإسلامية الغراء على طلب العلم؛ لأنها تنظر إليه على أنَّ جزء من تقدم المجتمع، فهو الطريق الذي يوصل الإنسان إلى المعرفة، ويُنير عقله، ويأخذ بيده إلى ميدان الحق، وسيجعل منه مهتديًا إلى غير الباطل في أغلب الأحايين ــــ إنْ لم نقل جميعها ــــ وحتى أنه (وأقصد الدين الإسلامي)، جعل أهل العلم : أشرف الناس في هذا الوجود، وأرفع قدرًا في الآخرة؛ إذ قال تعالى في محكم التنزيل: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: 11]، وقد فرق جل وعلا بين أهل العلم وأهل الجهل فقال: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر:9]، وقال سبحانه: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر:28].
وليس ذلك فحسب، بل جاءت نصوص الشريعة تدعو إلى العلم وتأمر به، وتثني على أهله؛ إذ قال خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم: ( (من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقاً إلى الجنة)، وقال أيضًا: (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم)، و أنَّ العلم أشرف من المال كما قال سيد البلغاء والمتكلمين الأمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام) لكميل بن زياد: "يا كميل.. العلم أشرف من المال، العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، المال تنقصه النفقة، والعلم يزكو بالإنفاق، العلم حاكم والمال محكوم عليه".
ولا يقتصر أثر العلم على الرقيّ من ناحية المستوى المعيشي أو المادّي، فالأثر الحقيقي للعلم يظهر على أخلاق المجتمعات، فالحضارة لا تبنى فقط بالتقدّم والتطوّر العلمي من دون أخلاق، لأنّ أساس العلم الأخلاق التي تمثّل جوهره وقيمته، فالعلم يهذّب النّفس البشريّة ويعوّدها الصّبر والتّواضع، فالعالم من عَلِم مدى جهله بالكثير على الرغم مما يمتلك من المعرفة؛ أمّا الجاهل فيرى نفسه عالمًا على رغم جهله وقصور معرفته وفقرها، وقال المتنبي في هذا السياق:
ذو العَقلِ يَشقى في النَعيمِ بِعَقلِهِ وَأَخو الجَهالَةِ في الشَقاوَةِ يَنعَمُ
وقال أديب أجرى مناظرة رائعة بين العلم والعقل، فقال:
عِلم العليم وعقل العاقل اختلفا من ذا الذي منهما قد أحرز الشرفا
فالعلم قال: أنا أحرزت غايته والعقل قال: أنا الرحمن بي عرفا
فأومــأ العلــم إيمــاءً وقال لـه بأيـنا الرحمن في القرآن قد وصفا
فبان للعقل أن العلم سيده فقبَّل العقل رأس العلم وانصرفا
يبدو أن المناظرة انتهت الى نتيجة مفادها: أن العلم يُقدَّم على العقل، كون الأخير من دون الأول يفقد الكثير من ملكاته التي حباها الله عز وجل له، ومن البديهي ــــ إذا ما تكامل الاثنين معًا ـــ أن يكون له الأثر الكبير على حياة الفرد بوجهٍ خاص والمجتمع بوجهٍ عام.
وتجدر الإشارة إلى أنه ليس المقصودُ بالعلمِ: العلمَ الديني فقط، وأنَّما: كلُّ علمٍ نافعٍ مفيدٍ يسهمُ في التقدمِ الحضاري، والإثراءِ المعرفي، سواء أكان من العلوم الدينية أم العلوم المادية كالقانون والطب والهندسة والاقتصاد، وعلم النفس والاجتماع ..... إلخ.
وخلاصة القول: أود الإشارة إلى حقيقة ــــ لا مناص منها ـــ أنه لا شيء في الدنيا يساوي طلب العلم ومحاربة الجهل، ولو جمعنا الحروف والكلمات كلها للتعبير عن العلم وأهميته في المجتمع؛ فلن نوفيه حقه.
وللعلم فضلٌ كبيرٌ في إعلاء درجات الإنسان عند الله، وفي سمو قدره وارتفاع قيمته، بالإضافة إلى ما يحققه المتعلّم من نفع لمجتمعه ووطنه، فلنحرص جميعًا على اكتسابه، وأقول أخيرًا: لا شيء أجمل من طلب العلم، والتعلم من يد العلماء، فبالعلم نرقى وبه نصير أرقى.
أُستاذ جامعي في كلية القانون/ جامعة القادسية