هيبة المناصب السيادية على المحك.. نحو معايير أكثر رصانة في إختيار الرئاسات الثلاث
محمد علي الحيدري
لم تعد مفاوضات تشكيل الرئاسات الثلاث في العراق، بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في نوفمبر 2025، مجرد عملية سياسية روتينية محكومة بتوازن القوى والتحاصص الحزبي فقط. فقد أصبحت معايير الاختيار أكثر تعقيداً، حيث يبرز وزن الشخصية المرشحة - من حيث سجلها المهني، سلوكها، وأدائها السابق - كعامل حاسم إلى جانب الحسابات الانتخابية والتوافقات بين الكتل. ففي الوقت الراهن، لا يمكن تجاهل السجل الإداري للمرشح في التعامل مع الملفات العامة، أو أسلوبه في التعاطي مع الشركاء والخصوم، أو الأخلاقيات التي ميزت مسيرته السياسية. كما أن الخلافات الشخصية والسياسية الناتجة عن التجارب السابقة أصبحت مؤشراً مهماً على القدرة على بناء تفاهمات مستدامة. وإلى ذلك، اكتسب الموقف القضائي للمرشح - سواء كان طرفاً في نزاعات أو محلاً لشبهات - أهمية كبيرة في تقييم الشرعية. وهنا تبرز ملفات الفساد والاتهامات المتعلقة بالنزاهة كعنصر حاسم؛ إذ إن الرأي العام، في ظل الضغوط الشعبية والدولية، لم يعد يقبل التساهل مع مثل هذه الشبهات في المناصب السيادية، خاصة مع تزايد الدعوات لاستعادة الثقة في المؤسسات.
قوى متنافسة
يُضاف إلى هذه العوامل إرث الحملات الانتخابية الحادة، التي شهدت تراشقاً إعلامياً و”تسقيطاً” سياسياً، مما أدى إلى تعميق الجراح بين القوى المتنافسة. هذه الخلافات، التي كانت في الأساس تكتيكية لتعبئة الناخبين، تحولت اليوم إلى عقبات تعيق بناء الثقة المتبادلة، وتجعل تشكيل شراكات حكم أمراً أكثر صعوبة.
ومع ذلك، يلاحظ إدراك متزايد لدى معظم القوى السياسية بأن المرحلة الحالية، في ظل التحديات الاقتصادية والأمنية والإقليمية المعقدة، تتطلب الانتقال التدريجي من منطق “الغلبة والمقايضة” إلى معايير “الكفاءة والملاءمة”. فاختيار شخصيات قادرة على إدارة الأزمات وترميم الثقة العامة لم يعد خياراً ثانوياً، بل ضرورة لاستعادة هيبة المناصب السيادية التي تضررت من الانقسامات المتكررة والفوضى الخطابية.
السؤال الأساسي اليوم: هل تمتلك الكتل السياسية الإرادة الحقيقية لتطبيق هذه المعايير الرصينة، خاصة مع استمرار الخلافات حول منصبي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، في ظل تأثيرات خارجية وداخلية؟ أم ستظل قضايا السلوك والنزاهة أدوات انتقائية في يد الخصوم، بينما تخضع التفاهمات الفعلية لمنطق الصفقات التقليدية؟
ستكشف الأيام المقبلة، مع اقتراب حسم الاستحقاقات الدستورية، ما إذا كانت القوى قادرة على تجاوز إرث الانتخابات الحادة، والالتزام بمعايير موضوعية تضمن اختيار قيادات صالحة تحترم المنصب وتعزز الشرعية.
إعادة إنتاج
إن نجاح هذا الاختبار قد يمثل خطوة نحو إصلاح الدولة ومؤسساتها، بينما الفشل فيه سيؤدي إلى إعادة إنتاج الدورة نفسها: سلطة قائمة على صفقات هشة، تتعثر مع أول اختبار حقيقي، وتترك البلاد في حلقة من الإحباطات المتجددة.