الإبتزاز العاطفي
نوال الجراح
من منّا لم يسمع من والديه إحدى هذه الجمل في أحد مراحل حياته.
إن لم تفعل هذا لا أرضى عنك أو أغضب منك أو أنقطع عن تناول الطعام.
إن لم تتزوج من فلانة لا أرضى عنك.
إن لم تُقدّم على الكلية الفلانية أزعل مِنك أو أحزن بسببك .
وكم من زوجة لم تُلب طلباً معيناً لزوجها إلا وقد هدّدها بالطلاق أو الصمت العقابي أو هجر فراش الزّوجية أو تعنيف الأطفال بهدف إيذائها.
الغاية من هذه الجمل وما شاكلها هو ممارسة
الإبتزاز العاطفي :
وهو أحد أشكال التّلاعب النّفسي يتم من خلاله إستخدام مجموعة من التهديدات وأساليب مختلفة من العقوبات يُوقعها شخص ما على آخر قريب منه في محاولة للسيطرة على سلوكه ويتضمن شخصين تجمع بينهما علاقة شخصية قوية أو علاقة حميمية (الأم والأبن، الزوج والزوجة، الشقيقين، الأصدقاء المُقربين) وهو سلوك غير سويّ وغير مقبول، عند التعرض للإبتزاز يصبح الشخص رهينة عاطفية للآخر كأن يقول المبتز للضحية إن لم تقدم لي كذا فأنت المسؤل عن إنهيار أعصابي أو مرضي وهذه الجملة مُتداولة غالباً عند الآباء تجاه الأبناء وإن تعارضت مع رغبة الأبناء.
وهذه من الطرق الخاطئة في التربية وغيرمقبولة شرعا، الله سبحانه وتعالى جعل كفارة بعض الذنوب عتق رقبة مما يدلُّ على أهمية الحرية وقيمتها الكبيرة في الدين الاسلامي ،وخلق الله الإنسان ووهبه نعمة الحريّة وميزه عن باقي المخلوقات بالعقل والارادة، إختيار الإبن لأمر ما يخص حياته كالدراسة أو إختيار شريك الحياة أو العمل وغيرها من القرارات المهمة وإن تعارض مع رغبة الأبوين لايدخل من باب العقوق مطلقاً كما يظنُّ أغلب الآباء والأبناء.
ولجوء الأبوين للإبتزاز العاطفي يأتي من قلّة وعيهم بأثر هذا السلوك غير السويّ على نفسية الأبناء، وبدورهم الأساسي في التربية والذي يكون بالتوجيه والمتابعة والرعاية والقدوة الحسنة ، وقديكون نوع من الأنانية والرغبة في التسلط لتنفيذ أوامرهم وشعورهم بملكية الأبناء لهم، فيلجأ إلى إستخدام هذه الأسلوب.
وهناك نوع آخر من أنواع الإبتزاز العاطفي وأكثره انتشاراً هو ما يحدث بين الأزواج ،فهو شكل من أشكال العنف يلجأ اليه أحد الزوجين، وغالباً ما يلجأ اليه الزوج تجاه زوجته لتنفيذ آوامره ورغباته متجاهلاً مشاعرها مما يؤدي الى إيذائها نفسياً ويكون بطرق مختلفة منها الصمت العقابي حيث يمتنع عن التواصل معها روحياً ونفسياً عن طريق غياب الحوار معها والإحتواء والمشاركة الفاعلة في مسؤليات الأسرة ، وأحياناً يستخدم الأطفال وسيلة ضغط عليها ويعاملهم بقسوة حتى ترضخ له، أو يُهددها بالطلاق لتنفيذ أوامره غير المشروعة مثل الأستيلاء على أموالها الخاصة من الراتب أو الميراث أو لإجبارها التزام الصمت تجاه تصرفاته غير المشروعة.
يمكن لأي شخص تعرض للإبتزاز العاطفي أن يحمي نفسه من هذا السلوك المُؤذي بعدة خطوات منها :
. إلتزام الهدوء أثناء الحديث مع الشخص المُبتز وإعطاء الفرصة لنفسك في التفكير قبل الإستجابة لطلبه.
. عدم الشعور بالذنب، خطوة مهمة جداً على الإبن أو الزوجة أو أي إنسان تعرض للإبتزاز العاطفي أن يتخلّص من فكرة الشعور بالذّنب وعدم جلد الذات وليس هو المسوؤل عن ما يعانيه الطرف الآخر .
. معرفة حدود جميع الأطراف وماهي حقوقه وواجباته والحد الفاصل بينهما من أهم الخطوات لتجنب هذا السلوك ، حيث يستغل المبتز هذا الحد والخط الفاصل بين الحقوق والواجبات ويقوم بالإبتزاز حينها، والمعرفة الكاملة للحقوق والواجبات للشريك تجعل الضحية يقطع شوطاً كبيراً في الحماية ومنع الإبتزاز.
. الحوار الجيّد والصادق بين الآباء والأبناء خطوة مهمة للحد من الإبتزاز الواقع من الآباء تجاه الأبناء وإعطائهم مساحة من الحرية الكافية لهم.
ه. التخلص من الشعور بالخوف وتقدير الذات بشكل جيد حتى تستطيع أن تقول ( لا) عند رفض أمر لا ترغب به .
. في بعض الحالات إذا تمكّن ضحية الإبتزاز ترك البيئة التي تعرض فيها لهذا السلوك ولا نعني الإبتزاز بين الآباء والأبناء فهو صعب وربّما مستحيل وأيضاً بين الأزواج حيث نجد غالباً صعوبة لجوء الزوجة للطلاق لأسباب عدة.
وهذه النقطة ممكنة إذا كان الإبتزاز بين أصدقاء أو كانت علاقة شخص بآخر لسبب ما ولفترة معينة، أو بينهم قرابة.
إنّ الحفاظ على صحة العلاقات الإجتماعية وتحقيق الرّفاهية العاطفية هو أمر مهم جداً للصحة النّفسية ، لذا علينا أن ننتبه لأي سلوك غير صحي وغير مقبول نتعرض له ونسعى باتباع كافة الطرق الصحيحة للأبتعاد عنه وآثاره السّيئة التي ممكن أن تُسبب لنا الأذى النّفسي المُؤلم لننعم بحياة آمنة مستقرة ونكون على وعي كبير بالأسلوب الصحيح الجيد في حياتنا الزوجيّة والأُسرية.