الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
سطور في خطوط الزمن

بواسطة azzaman

سطور في خطوط الزمن

رعد البيدر

 

النصوص الرصينة تولَد من رَحم المُعاناة، وتستقِر في وجدان القارئ حين تلامُس أحاسيسهِ. في كتاب «خطوط الزمن»، سطّر مؤلفه الأستاذ الدكتور ياس خضير البياتي سيرةً ذاتيةً تجاوزت حدود السرد الشخصي لتصبحَ وثيقةً إنسانية رفيعة المستوى، نأى بها مؤلفها عن زيف ادعاءات أصحاب الألقاب الجوفاء، واستقرت في حيّز الصدق العاري من الرتوش. انسابَت فصول (أوراق) الكتاب بفيض أحزانٍ شفيفة، ووطنيةٍ باذِخَة، وعزة نفسٍ تأبى المُهادَنة، لوضع القارئ أمام مرآة روحه، وتاريخ الكاتب المُثخّن بتنوع الجِراح.

تجلّت الغُربة في ثنايا السطور خيطاً ناظماً للألم، متجاوزةً حدود الجغرافيا لتغدو اغتراباً عميقاً داخل الذات والوطن. تماهت مشاعري مع نصوص المؤلف في رصد ضياع الملامح وسط ركام الكوارث القديمة والمُمتَدَة. ارتقى البياتي في منهجية المُكاشفة، إذ سَتَرَ بفروسية مُسَمَيات ذوي الهفوات، متجاوزاً ضغائن الماضي بترفُّعٍ أثيل، بينما أنصف ذوي المواقف المشرفة بوقائع استدلال وسماهم بمُسمَياتِهم؛ فكان تقييم مروءة وعدل، يمنح الأجيال نبراساً يقتدى به في دروب العمل الأكاديمي والصحفي الرصين.

بعيداً عن المًجاملة والزيف اللفظي، الكثير من سطور الكتاب صرخات استغاثة، وصدىً لأصوات ذوي الضمائر الحيّة، وترجمةً نابضة لمعنى الكرامة في زمن عزَّ فيه الشُرفاء. استطاع البياتي البوح الراقي، بأفراحه القليلة وأحزانه العميقة، فحوّل السيرة الذاتية إلى بوصلة هداية للتائهين في دروب البحث عن وطنٍ مذبوح وذاتٍ تُنازع وتأبى أن تموت، مؤكداً أن الحقيقة تظل الخلاصة الشرعية للألم والاعتزاز. عشتُ مع الكتاب ساعات انسجام امتدت لأيام، وكأني سمعت من بين السطور صرخة كبرياء ترفضُ الانكسار وتجعل من التجربة الإنسانية حكايةً لا تموت، حتى في أرضٍ قَلَّت خُصوبَتُهَا، وازدادَ عَطَشُهَا، وتَعِبَ فَلَّاحُها.

خِتاماً؛ مَن قرأ كتاب «خُطوط الزَّمَن» أو مَن سيقرأهُ بنفس تتبُعي لنصوصهِ، تَوصَّل أو سيتوصَّل إلى قناعة مفادها أنَّ البياتي قد أجَاد بما كتب، وأوصَل ما يريد إلى مَن يريد في 270 صفحة.

 

 

 


مشاهدات 31
الكاتب رعد البيدر
أضيف 2025/12/23 - 3:58 PM
آخر تحديث 2025/12/24 - 2:00 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 91 الشهر 17612 الكلي 13001517
الوقت الآن
الأربعاء 2025/12/24 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير