جمالية السرد والوعي الفني في قصص ( بدراب) للروائي أمجد توفيق
محمود خيون
وانا اختم قراءتي للمجموعة القصصية( بدراب) للروائي الكبير امجد توفيق وردت في ذهني مقولة قرأتها منذ سنين للمرحوم الروائي فؤاد التكرلي والتي يؤكد فيها بالقول( ان الأمر المهم بالنسبة لي هو الوعي بقيمة ما اكتب أولا، والوعي بضرورة إتخاذ منهج في الكتابة والخصوصية ثانيا ) وهذا الرأي ينطبق على مجمل كتابات الروائي أمجد توفيق والأمر ينجلي على اطروحات منهجية وستراتيجية لنوع الكتابة على الرغم من إختلاف الأفكار وتنوعها في تقارب النصوص الفنية من القاريء إلى حالة اندماج مع تفصيلاتها السردية التي تقوده إلى تخيل الأحداث المروية بسردية لا تخلو من الحبكة والبناء الفني الرصين لكتابة القصة القصيرة واختزال مضمونها إلى القدر الذي يأتي بالتفصيلات المطلوبة والتي تجعل من الفكرة العامة لها كشريط سينمائي غير ممل لدى الجميع..وهذا ما يولد الشعور بالنص القصصي الذي يجعل القراءة أكثر متعة وتشويق للنهايات واجوائها وحركة الشخوص فيها...وهذا ما نلمسه في قصة( بدراب) وهو اسم المجموعة التي وصفها بعض المختصين بأنها(( من أكثر النهايات التي قدمها الكاتب أمجد توفيق قدرة على تكثيف المأساة إذ جاءت بلسان شاهد عابر يروي حادثة دهس شابة خرجت من حديقة قريبة وركضت عبر الشارع، قبل ان تنتهي تحت عجلات سيارة مسرعة لينقل النص تلك اللحظة ببرودة تقريرية تزيد الصدمة عمقا حيث يقول:- انها الزحل دفعة واحدة حتى ان الشاب لم يستطع منع اصطدام رأسه بالأرض ))..
وهنا يتبين بأن أمجد توفيق كاتب متمكن من ادواته الفنية وبارع في تجسيد وتطويع ما يريد من أفكار ليعبر فيها عن رؤية توثيقية للنصوص السردية التي تمكن من بناء مساحاتها الشاسعة بمدلولات ومساهمات فنية جعلت منها عالم آخر من عوالم الكتابة على حجر من رخام ثمين يحمل بين طياته ما يجيش في نفس الإنسان من صراعات ومخاضات عسيرة تولد من بعدها النهايات المفاجئة التي يصدم بها القاريء وكما اكدتها الباحثة المغربية ليلى بوشمامة والتي اوجزت ذلك في بحث جميل وتفصيلي عن مجموعة( بدراب ) بالقول(( تضم المجموعة تسع عشرة قصة جديدة توزعت على أكثر من مئتين وستين صفحة وتتسم بقدرة واضحة على النفاذ إلى الداخل الإنساني واستنطاق الطبقات العميقة للمشاعر البشرية، حيث يستعيد القاص اهتمامة الدائم بالهامش وبالانسان العادي ويمنح تفاصيل الحياة اليومية صوتا لا يخلو من الدهشة ولا من الأسئلة الكبرى، وكما عهدناه في اعماله السابقة، يكتب توفيق بروح تجمع بين حكمة المجرب ودهشة الطفل وبين الصرامة في البناء السردي والمرونة في التقاط ما هو عابر ليصبح جزءا من معنى اكبر ))...
ومن ذلك يتضح جليا لدى المهتمين بهذا النوع من الأعمال حجم المساحة الكاملة لإظهار المهارات الفنية للكاتب في رسم المشاهد السردية على شكل لوحة تندمج خطوطها المتشابكة لتعبر عن معاناة الإنسان وشعوره بالانكسارات والخيبة في حين تتضح الصورة أكثر ومن بين الفراغات والألوان عن تحديات كبيرة وموروثات أكثر قوة ومقدرة في إعادة تفكيك الرموز الغامضة لتلك الخطوط المتشابكة والداكنة عند التمعن في قراءة قصص المجموعة الأخرى...
عليه فأن قصص( بدراب) تعد من المجاميع المتميزة وإضافة كبيرة لمسيرة القصة العراقية وسط مثيلاتها في الوطن العربي لما تحمله من دلالات إنسانية وبناء فني متكامل ورصين يؤكد قدرة الكاتب على المناورة في الأحداث التي عاشها ابطاله بين المكان والزمان وتمخض عنها هذا الكم الهائل من عناصر التشويق وتسارع الأحداث على نحو ممتع.