ماوراء القنينة
ثائر علوان
حينما أعطت الشمس ظهرها للمدينة، وانتشر الظلال على الأزقة. اقتنيت قنينة جن من سائق الدليفري، ودسستها في جيبي، كأنها سر خطير، خشية من نظرات المارة. جلست في ساحة كرة القدم، حيث اعتدت اللقاء مع شلة الخمارة. لم أكن قد تذوقت سوى أولى رشفات الكأس الثانية، حين داهمتنا سيارة النجدة. في لحظة فزع، وضعت إصبع الإبهام على فوهة القنينة، وأحكمت قبضتي عليها، ثم انطلقت كعداء محترف، أركض بين الأزقة الضيقة. توقفت بعد أن زال الخطر، ألهث من فرط التدخين، ولم تتوغل الخمرة في تلافيف دماغي. لمعت في رأسي فكرة: لم لا أحتسيها أمام البيت؟ هناك، على الدكة، لن يثير وجودي ريبة أحد. خلطت الجن بالليمون في قنينة ماء، مموهاً إياها على أنها ماء. جلست أرتشف منها كلما خلا الزقاق. ربطت هاتفي بشبكة البيت، وشغلت أغنية لحسين نعمة. خرج جاري الستيني، توقف عند الأغنية، زفر حسرة، ثم جلس بجانبي. بدأ يسرد حكايات شبابه، دون انقطاع. صدع رأسي، فناولته حفنة كرزات، عله ينشغل بها. لكنه اختنق بقشرها، وسعل بقوة، ثم طلب القنينة. ترددت، لا أستطيع قول الحقيقة، ولا أستطيع أن أرد طلبه. أخذها من يدي وشربها دفعة واحدة. فجأة، أطلق آهة استغاثة، وأمسك بلعومه، وانحنى متمددًا على الأرض، يغثو كخروف متخوم. ارتعد جسدي، وقفت أصرخ كالنادبات، وولجت البيت، كالهارب، وأغلقت الباب، أحدق من ثقبه.