الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
في ذكرى مجزرة جسر الزيتون.. شيطنة الإحتجاج وتحوّيل الكلمة إلى رصاصة

بواسطة azzaman

في ذكرى مجزرة جسر الزيتون.. شيطنة الإحتجاج وتحوّيل الكلمة إلى رصاصة

 

حسين باجي الغزي

 

على ضفاف الفرات حين صعدت ارواح ،واهات اكثر من 300 شهيد وجريح الى السماء ، وحيث يحمل جسر الزيتون ذاكرةً أثقل من مشيداته، ما زال صوتُ ذلك اليوم يرنّ في هواء الناصرية كجرحٍ لم يندمل. هناك، في تلك البقعة التي تحولت من معبرٍ للحياة إلى مزارٍ للحزن، تتكدّس الأسئلة أكثر من الخطوات، وتتعالى صرخات الأمهات فوق همسات الماء. فالدم الذي سال عند الجسر لم يجفّ بعد، والمدينة التي دفعت أبناءها وقودًا لكرامتها، ما زالت تقف كل عام أمام المكان ذاته، تستعيد الوجوه، وتعدّ الغائبين واحدًا واحدًا.

ليس جسرًا وحسب… بل بوابة لذاكرة موجوعة، ومرآة لمدينة تبكي أبناءها كلما مرّت الريح فوقه.

«وكلما مررتُ بجسر الزيتون شعرتُ أن الجرح ما زال مفتوحًا، ليس لأن الدم سال، بل لأن الفاعل لم يُحاسَب. فالجريمة التي لا يعرف أهلها قاتلهم تبقى حيّة، تتنفس في ذاكرة المدينة، وتُذكّرها بأن العدالة غابت يوم كان يجب أن تحضر

عندما نرجع بالذاكرة الى الوراء ،ومنذ اللحظة الأولى لانتفاضة تشرين، انشغلت بعض القنوات. و المنصّات الإعلامية المحسوبة على الحكومة انذاك،   بمحاولة نزع شرعية ذلك الحراك الشعبي، عبر حملات ممنهجة لاستعداء الجمهور ضد المتظاهرين.

مفردات مشبوهه

 فبدل الإنصات لأصوات الشباب التي خرجت تطالب بوطنٍ أفضل، لجأت قنوات معروفة بتوجهاتها . إلى ضخّ مفردات تشويهية مثل: الجوكرية، أولاد السفارات، المخربين، البعثية،الايموو،و المنفلتين… وكأن كل مطالب الإصلاح لا يمكن أن تُفهم إلا بوصفها امتدادًا لـ “مؤامرة خارجية” ضد الحكومة ومتبنياتها المذهبية. بهذه اللغة المشحونة وبهذا العصف الاعلامي، لم تُصنع رواية إعلامية فحسب، بل جرى إعداد بيئة كاملة تبرّر العنف وتجعله أمرًا “مقبولًا” لدى جزء من الرأي العام. فحين يُصوَّر المحتج على أنه عميل ينفّذ أجندة معادية للوطن، تتحوّل مجرد كلمة إلى تصريح مبطن بالإلغاء، وإلى تمهيد نفسي يجعل الضغط على الزناد فعلًا أقلّ تردّدًا وأكثر حضورًا.

وما حدث في مجزرة جسر الزيتون لم يكن انفجارًا مفاجئًا للعنف، بل النتيجة الأخيرة لسلسلة طويلة من التحريض الإعلامي والسياسي. فالرصاصة التي خرجت هناك لم تبدأ رحلتها من يد القاتل المباشر، بل من خطابٍ رُوّج وبُثّ وتكرر حتى صار في ذهن البعض “حقيقة”، وفي يد آخرين “مبررًا”.

إن اختزال المختلف السياسي أو المحتج إلى عدوّ متآمر لا يفتح باب الدم فقط، بل يغلق كل أبواب الإصلاح والوطنية والحوار. فالدول لا تُبنى بإسكات شبابها، ولا بالتشكيك في وطنيتهم، ولا بتخوين كل صوتٍ يريد أن يرى بلده أفضل.وفي النهاية، من ضغط على الزناد كان مجرد آخر اصبع في حلقة في سلسلة طويلة من صناعة الكراهية… سلسلة بدأت بكلمة، وانتهت بجريمة.

 

 


مشاهدات 38
أضيف 2025/12/05 - 3:35 PM
آخر تحديث 2025/12/06 - 2:38 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 100 الشهر 3859 الكلي 12787764
الوقت الآن
السبت 2025/12/6 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير