نقطة ضوء
(عبادة) المشاهير والحلقة المفقودة
محمد صاحب سلطان
على الرغم من إنجلاء الضجة الإعلامية التي أثيرت مؤخرا، حول التصرف المخطوء في سلوك بعض المراهقات ممن حضرن حفلة غنائية، أسفرت عن تعلق إحداهن برقبة مطربها المحبوب!،بطريقة مستفزة لمشاعر المشاهدين، عكست عن خلل بنيوي في التربية والسلوك، فضلا عن ما تركته الواقعة برغم إنفرادية التصرف، من ردود أفعال، أجمعت أغلبها على فقدان سيطرة بعض الأسر لميزان التوجيه الصحيح، وطرق التصرف في الأماكن العامة، وفي مفهوم الحرية الشخصية، ومفهوم العيب من عدمه، التي تقتضي الأعراف والتقاليد الإلتزام به، بل جعله خطا أحمر لا يجوز القفز فوقه، مهما كانت الأسباب والدوافع، وغير مقبول لأي فرد في بيئتنا المجتمعية تجاوزه أو ركنه، ولو على حساب تبرير التصرف الطائش، لصغر السن أو قلة الخبرة والمعرفة!، كما حدث ونقلته شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي.. ولأجل ذلك، لا أريد تكرار حجم اللوم الواقع على الأهل ممن لم يحسنوا التوجيه والتربية، فلهذا الأمر مكان آخر ، ولكني أريد الإشارة إلى وسيلة التوصيل وإنتشارها، ومدى تأثيرها في تعلق الناس بما يرغبون، وما هي الأداة التي جعلت من هذا (التحبب) منهجا وسلوكا مشروعا، وهل هذا (الحب) إن جازت التسمية، مشروعا لطرف دون آخر، وهل يختص به مشاهير السوشيال ميديا لوحدهم ، من فنانين وطباخين ومجانين وشحاذين وقاطعي طريق، ورياضيين وربما (رجال دين) إختطوا لإنفسهم طريقا للشهرة على حساب ما يعتقدون، وهؤلاء المشاهير كسبوا لباب قلوب مريديهم، من حيث التشبه بسلوكهم وطريقة حديثهم وإرتداء ملابسهم، وحتى طريقة المشي ومسك عصا التخبتر أو العكازة، وبمن يتعطرون، وبماذا يتمزمزون وأية مشروبات يتناولون ، وما المطاعم والكافيهات يرتادون، وأي الفرق والاندية يشجعون، بل وصل بالبعض حد تناول الدواء على طريقة ذلك (المشهور)، أو الإستحمام بذات المساحيق والشامبوات التي يستعملها!، ولو تابعنا الإعلانات وفديوهات الترويج، سنرى العجب العجاب، الذي وصل حد الملابس الداخلية!، كل ذلك من يقدمه؟، أليس بعض هؤلاء، الذين يبدأون من سويعات الرضعة الأولى وعتبة (التاتي والتواتي) المكللة بالحفاظات، ولا ينتهون بأسرة الشفاء بالمستشفيات، مرورا بإختيار الحضانة ورياض الأطفال، وصولا للجامعات، بل وحتى التخصصات والفروع الدراسية، حتى إني شاهدت مؤخرا أحدهم يقوم بالترويج لجامعة أهلية، إنتسب إليها كما يدعي، لإخذ محاضرة في الإعلام وفنونه لشحذ الهمم والتزود بالمعرفة !كونه مقبل على سفرة لإجراء مقابلة تلفازية مع النجم (أحمد السقا)!، تصوروا!.
وقد يسأل أحدكم، هل هذا التعلق، دافعه الوحيد إنتشار السوشيال ميديا وطرق إستخدامها من دون رقابة وتحديد؟، ألم تكن هنالك ظواهر قبل إختراعها.. أقول نعم هنالك الكثير من الظواهر ممن سجلتها عدسات التصوير أو التحقيقات أو المقالات الصحفية، والكبار منكم يتذكرون العديد من محاولات الإنتحار أو إيذاء النفس التي أقدمت عليها بعض الفتيات بعد الإعلان عن وفاة ممثلهم أو مطربهم الملهم، وهذا الأمر يعود لهول الصدمة وإرتدادها المفضي عن ذلك العشق، منها عند رحيل عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، وكذلك الحال في الغرب عند رحيل الممثلة (مارلين مونرو) والمغني(جون ليون) و(مايكل جاكسون)، حيث تداولت وسائل الإعلام أخبارا عن حالات إنتحار بين المراهقين ، ما دفع جمعيات نفسية إلى إصدار دعوات للعناية والدعم العاطفي ، وهذه الظاهرة لا تعني إن كل المعجبين يمكن أن يتأثروا بهذه الطريقة، بل تتعلق بإشخاص يعانون أصلا من هشاشة نفسية أو عزلة أو إكتئاب، ممن يعدون أولئك المشاهير الذين يتشبهون بهم حد (عبادتهم)، كمرساة شعورية في محيط مضطرب، وحين تتكسر هذه المرساة فجأة يختل توازن بعض القلوب الهشة، ولذلك فإن (عبادة المشاهير)، إن جاز لنا التوصيف، مشكلتها ليست في الحب، بل في الهشاشة غير المرئية خلفه، وهذا الأمر يتطلب الإنتباه لإبنائنا وبناتنا، كي لا تأخذهم موجة الإنجرار المنفلت، وإن هذا (العشق) لا ينبغي أن يجرنا إلى ظلمات نسيان أنفسنا، ويبعدنا عن تقاليد وأعراف مجتمعنا... وهذا ما نأمله..