الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
بين الدين الهوياتي والدين الإنساني

بواسطة azzaman

بين الدين الهوياتي والدين الإنساني

منقذ داغر

 

 « الأديان طرق مختلفة تلتقي في نفس النقطة» المهاتما غانديهل الإسلام هويتنا أم ديننا؟ هل المسيحية او اليهودية اديان سماوية ام هويات الهية؟ هل الأديان طريق للعيش المشترك، أم هي سبيل للتمايز والمعترك؟ هل خلقنا الله لنكون عباداً أم عبيداً؟ وفرق كبير بين المفهومين فالأول يعني حرية الاختيار والإرادة أما الثاني(العبد) فيعني القسر وسلب الإرادة.شخصياً أؤمن اني أحد عباد الله -لا عبيده- ليس تكبراً من العبودية، بل تنزيهاً لله عن حاجته لعبيد.  لقد عاد النقاش بقوة بعد 7 ت1( اكتوبر) 2023، وفي كل مكان حول دور الدين في الحياة العامة وفي التمييز بين البشر. فاليهود يقولون نحن مستهدفون، والمسلمون (سنةً وشيعةً) يقولون نحن المستهدفون، ونفس الحال لدى المسيحيين والهندوس...الخ.قبل مدة بسيطة ادلت سارة هورويتز،وهي يهودية أمريكية كانت تعمل ككاتبة لخطابات الرئيس الأسبق باراك أوباما بحديث مهم في الجمعية العامة لاتحادات يهود أمريكا الشمالية عبرت فيه عن احباطها الشديد من طريقة رفض ونقد الشباب اليهودي في أمريكا للجرائم الصهيونية ضد الفلسطينيين العزل في غزة والتي وصلت حد وصفهم لها بانها إبادة جماعية او محرقة تشبه محرقة اليهود على ايدي النازية!! وقالت ان تركيزنا على المحرقة النازية لليهود وتدريسنا لها ربما أسهم بشكل كبير في هذا النقد والاستنكار من قبل الشباب من يهود اميركا  لما يحصل في غزة. وشخصياً اعتقد ان هذه المفارقة المفاهيمية والسردية صحيحة تماماً. فلطالما صور الصهاينة المحرقة النازية لهم بأنها حصلت نتيجة قوة النازية وطغيانها واستضعافها لليهود المسالمين وخرقها للقانون الإنساني وعدم الاعتراف به. ووفقاً لتلك السردية فأن الألمان (النازيين)، لا الالمان المسيحيين، هم من أحرقوا اليهود. هؤلاء الأقوياء الأشداء المدججون بالسلاح القوا باللوم على اليهود المسالمين الوادعين واستهدفوهم بسبب اختلاف دينهم ومعتقدهم. واليوم تتكرر ذات السردية لكن بأطراف مختلفة. فالصهاينة(لا اليهود) هم المدججون بالسلاح الذين يحرقون فلسطينيي غزة لوماً لهم على ما حصل في 7 اكتوبر. هناك فريقان في هذه السردية الأول هو القوي المتمكن المتغطرس الذي لا يأبه بقانون دولي ولا يحترم الكرامة الإنسانية بسبب اختلاف الدين، وطرف ثاني اعزل ضعيف مسالم ولا حول ولا قوة له في كل ما يحصل. هذه السردية التي تعلمها الشباب اليهودي في أمريكا بحاجة لإعادة نظر كما تعتقد هورويتز،لان السحر انقلب على ما يبدو على الساحر.

اعادة نظر

ولكي يتم معالجة هذه الخلل البنيوي في السردية اليهودية للمحرقة ومعناها فانه يجب إعادة النظر في كيفية النظر للدين ليصبح دينياً هوياتياً،لا ديناً انسانياً. ولكي يحصل ذلك فيجب على يهود أمريكا ان لا ينظروا الى يهود إسرائيل بأنهم شركاء في الدين، بل شركاء في الهوية. بمعنى ان اليهودي في إسرائيل هو اخي -لاحظ كلمة اخي- في الانتماء الوجودي وليس في الدين. وتقول ما نصه «اننا لسنا مجرد دين بل أمة وحضارة وقبيلة وشعب، بل نحن عائلة قبل كل شي...وإذا نظرنا ليهود إسرائيل انهم فقط شركائي في الدين فأنني سأتخلى عنهم حينما ادرك انهم لا يمارسون ديني الحقيقي القائم على العدالة الاجتماعية». وهنا اود ان أسأل القارئ الكريم: كم مرة سمعت مثل هذا الهراء من رجال دين في طائفتك او مذهبك؟ كم مرة قيل لك انك يجب ان تنصر اخيك الشيعي،او اخيك السني حتى لو أخطأ وارتكب ما ارتكب؟!! كم مرة قيل لك نه سيُغفر للمرتشي فلان او الفاسد علان ما دام سيموت على الدين او المذهب الفلاني؟! بل كم مرة قيل لك انه يجب ان تسكت عن إرهاب فلان لأنه سني، او ترضى بسلاح علان لأنه شيعي؟!!

أنهم يريدونه ديناً هوياتياً لكي يغطي على كل ما يتم ارتكابه من فواحش، واخطاء، وفساد وجرائم. لا يريدوننا ان ننظر للجريمة، بل لمرتكب الجريمة، فأن كان «اخي» يجب ان اغفر له، وأن كان من الطائفة(غير الناجية) فيجب القصاص منه.

فالمعيار والمرجع هو الانتماء الهوياتي وليس الانتماء الإنساني الأخلاقي. ليس مهماً ان يتّبع اخلاق محمد او سيرة عمر او زهد علي، لكن المهم ان يكون من أمة محمد او عمر او علي!!

لا يريدونه دين هداية او عبادة فردية وشخصية لله، بل دين هوية عابر للحدود. دين عقيدة وبطاقة لا دين اخلاق وطاقة. الأساس في الولاء والبراء هو الانتماء لهذه العائلة والقبيلة والطائفة التي اسمها «دين». نوالي من يحمل البطاقة والهوية وليس من يحمل الاخلاق والإنسانية. ونعادي او نبرأ ممن لا يحمل بطاقتنا. ليس المهم ما نعمله، بل الأهم ما نحمله. بالتالي فان اخي ليس هو الذي أعيش معه على نفس التراب واتعامل معه يومياً وانشد معه نفس النشيد واتشارك معه في نفس الماء، والهواء والتاريخ والانتماء. انما اخي هو من يتشارك معي تفس الهوية. فالإيراني الشيعي أقرب لي من العراقي السني. والسوري السني أقرب لي من العراقي الشيعي. باختصار فالهوية تسبق الإنسانية في هذا الدين الذي انا اول من يكفر به، ويريد الخروج من ملته.

 


مشاهدات 21
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2025/12/01 - 5:45 PM
آخر تحديث 2025/12/02 - 1:07 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 62 الشهر 850 الكلي 12784755
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/12/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير