العراقيون فرَّقتهم السياسة ووَحَّدتهم كرة القدم
أكرم عبدالرزاق المشهداني
لقد نجح لاعبونا الاشاوس في تحقيق فرحة العراقيين
بينما عجزت جميع الاحزاب والكتل والانتخابات في تحقيق ذلك.
كنتُ اتابع بالأمس من الدوحة مباراة منتخبنا الوطني أمام شقيقه منتخب دولة الامارات العربية المتحدة، تلك المباراة التي شدَّت أعصابنا، وجعلتنا نتابع بشغف الكرة تتراقص بين اقدام اللاعبين، دون ان نعرف طائفة أو مذهب أي منهم، ومن هو فيهم (عمر) ومن هو فيهم (عبدالزهرة)؟ جوابا على المعمم الذي هدَّد جمهوره بهذين الاسمين لدواع معروفة نالت استهجان الشعب العراقي. فما ان أعلن حكم المباراة فوز العراق، فقد غمرت الفرحة جميع العراقيين بدون استثناء، من جميع طوائفهم ومذاهبهم وانتماءاتهم ومحافظاتهم، وغصت الشوارع بهم.. في بغداد، الموصل، البصرة، اربيل، كربلاء، كركوك وكل مدن العراق، وهم يهزجون بصوت واحد (بالروح بالدم نفديك يا عراق). فما كنت تعرف هذا شيعي وذاك سني وهذا عربي وذاك كردي وذاك تركماني.. فالكل وَحَّدَهم حبهم للعراق وعشقهم لكرة القدم حين يلعبها منتخبهم الوطني.
وما زلنا نتذكر الاغنية العراقية الشهيرة التي انطلقت يوم فوز العراق ببطولة آسيا، والتي ما زال العراقيون يرددونها عند كل فوز لمنتخبنا الوطني: ("شفتوا لاعب بالملاعب يلعب وإيده على جرحه؟ هذا لاعبنا العراقي من المآسي جاب فرحة")...
اثبتت كرة القدم في مناسبات عديدة ان لها قوة كبيرة في توحيد ابناء الشعب العراقي وتجاوز الخلافات السياسية والمذهبية والعرقية، فقد كانت الرياضة دائما وسيلة لتوحيد جماهير الشعب وتجاوز التناقضات السياسية والاجتماعية. وكان فوز المنتخب العراقي لحظة فارقة في توحيد الشعب العراقي وتجاوز الخلافات فكان الفوز العراقي صافرة البدء والانطلاق في تظاهرات فرح عفوية تلقائية دون تحضيرات ودون وجود جهات منظمة لتلك الاحتفالية وهذه الفرحة التي شاهدناها في وجوه النساء والاطفال وكبار السن والشباب وهم يتجولون بسياراتهم ووسائل نقلهم في الشارع حاملين العلم العراقي الذي يوحدهم ويهتفون بشعار عفوي واحد بصوت واحد (بالروح بالدم نفديك ياعراق).
نجح رياضيو كرة القدم فيما فشلت فيه جميع الاحزاب والكتل والجماعات السياسية والمذهبية والعرقية في ان ترسم فرحة او بسمة على وجه العراقيين مثل تلك التي شهدناها يوم امس في شوارع العراق بجميع محافظات ومدن العراق دون ترتيب او تنظيم مسبق.
رغم انشغال السياسيين في الايام الاخيرة بموضوع الانتخابات والتحضير لصفقات تبادل المناصب والسلطة، فلم نجد تجمعاً يُعبّر فيه المواطنون عن فرحتهم بنتائج الانتخابات، لانها لم تعد تهمهم في شيء ولا تحقق طموحاتهم، بينما حققت كرة القدم ما فشلت فيه الاحزاب والانتخابات التي صرفت عليها المليارات لكنها افتقدت حماسة وفرح العراقيين بل اكدت عزوفهم عنها لانها لا تلبي مطالبهم ولا يمكنها تحقيق الفرحة في صدورهم والابتسامة على شفاههم.
قد تبدو مباراة كرة القدم شيئا عبثيا في نظر البعض القليل بانها مجرد لعبة يتقاذف فيها (11) لاعبا كرة القدم بين أرجلهم ورؤوسهم.. بطريقة تحرّك جهازنا الانفعالي وتثير ولعاً وشغَفا وهوَسا.. بل قد تؤدي لعنف غير مستساغ بين جمهور الفريقين المتنافسين. كما يحصل في دول العالم حين يصل عنف المشجعين (الهوليكانز) الى حد الاقتتال وتدمير المنشآت والمحال التجارية. كما شهدنا في الدوري الانكليزي.
لا اظن شعبا في العالم المعاصر تعرَّض الى ما تعرض له العراقيون من فواجع وخيبات ونكبات، ولهذا فان حالة التماهي عند العراقيين في كرة القدم هي حالة عصابية ناجمة عن قساوة وديمومة هزائمهم النفسية في الحياة اليومية العامة، وخيبة أملهم في القادة السياسيين وانهم يجدون في التوحّد بفريقهم الفائز ما يُنفس عن تلك الحالات. لكن العراقيين يبقون مفجوعين بوطنهم من لعبة السياسة والتعصب الطائفي التي تجري على ساحة الوطن.. بين فرقاء افتقدوا اخلاق اللعبة وقواعدها.. ولعبوا من اجل كل شيء الا الفوز بـ (كأس الوطن!) فهو آخر ما يسعون له. وا أسفاه.