الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
إيران على فوهة بركان

بواسطة azzaman

إيران على فوهة بركان

عبد القادر حداد

 

تعيش إيران اليوم واحدة من أكثر لحظاتها خطورة منذ عقود، إذ تتقاطع الأزمات الداخلية والخارجية في مشهد معقد ينذر بانفجار اجتماعي واسع ما لم تُتخذ إجراءات جذرية وسريعة. فبين العطش المتفاقم والانهيار الاقتصادي وفقدان الثقة والعقوبات الدولية والعزلة الإقليمية، يبدو النظام الإيراني و كأنه يقف على حافة هاوية سياسية واجتماعية يصعب تقدير تبعاتها . الأزمات التي تضرب البلاد لم تعد مجرد مظاهر متفرقة، بل تحولت إلى حلقة مترابطة من الجفاف وانقطاع الكهرباء وغلاء المعيشة وتراجع القدرة الشرائية، وسط غضب شعبي يتراكم في الشوارع مع إفلاس صناديق الضمان الاجتماعي وتأخر مشاريع البنى التحتية، في ظل حكومة تبدو اليوم عاجزة عن إدارة المرحلة أو احتواء الانهيار المتسارع . وفي ظل هذا المشهد المضطرب، تتزايد الأنباء حول احتمال تقديم الرئيس مسعود برزشكيان استقالته، رغم غياب التأكيد الرسمي، لكن حجم التسريبات يعكس حقيقة لا يمكن تجاهلها وهي أن الثقة داخل أروقة السلطة بدأت تتآكل، وأن النظام يواجه أزمة قيادة تتزامن مع أزمة معيشية خانقة، الأمر الذي يضاعف من تعقيد المرحلة. وما يزيد الصورة قتامة هو تحذير برزشكيان الأخير من احتمال إخلاء العاصمة طهران إذا لم تهطل الأمطار قبل نهاية نوفمبر، وهو ليس تصريحًا عابرًا بقدر ما يعكس حجم الكارثة البيئية التي وصلت إليها البلاد .

مستويات حرجة

فالسدود بلغت مستويات حرجة من الجفاف، وإمدادات المياه توقفت عن بعض الأحياء، والسكان دُعوا إلى تخزين المياه تحسبًا للأسوأ، بينما تتصاعد أزمات انقطاع الكهرباء وارتفاع الأسعار وتراجع فرص العمل، ما يجعل ملايين الإيرانيين يعيشون يوميًا بين العطش والفقر والظلام، من دون أن يلوح في الأفق أي حل حقيقي. ولم تعد الأزمة بيئية أو اقتصادية فقط، بل تحولت إلى أزمة مركبة تجمع بين الانهيار السياسي والاجتماعي وسوء إدارة الموارد، إذ تضررت الزراعة بشدة، وارتفعت أسعار المواد الغذائية في المدن والريف إلى مستويات غير مسبوقة، ومع استمرار سوء الإدارة وتأخر تنفيذ المشاريع الحيوية، بات المواطن يشعر بأن الدولة تخلّت عنه، وأن النظام أصبح بعيدًا عن معاناته اليومية. وهكذا يتحول الغضب الاقتصادي إلى غضب اجتماعي يصعب احتواؤه بالخطابات أو بالتدابير الجزئية، فيما تبدو البلاد متجهة نحو مرحلة احتقان غير مسبوقة .

وفي حال حدثت استقالة برزشكيان فعلًا، فقد تكون النقطة التي تفجر الغضب المكتوم، لأنها لن تُقرأ كقرار إداري، بل كإشارة رمزية على اهتزاز الثقة داخل النظام نفسه. وقد يفتح هذا التطور الباب أمام صراع داخلي بين أجنحة السلطة، بينما قد تستغل المعارضة والشارع هذه اللحظة لإطلاق موجة احتجاجات جديدة في وقت تتزايد فيه معاناة الناس يومًا بعد يوم. التاريخ القريب لإيران يؤكد أن أي أزمة معيشية كبرى، حين تقترن بفقدان الثقة بالمؤسسات الرسمية، كانت دائمًا الشرارة الأولى لانفجارات شعبية غير محسوبة، واليوم تتكرر الظروف ذاتها تقريبًا: نظام مرهق، شعب غاضب، موارد شحيحة، ومشهد عام يتجه نحو الانفجار.

لم يعد الوقت يسمح بالتأجيل، فالمطلوب ليس وعودًا جديدة ولا بيانات تهدئة، بل تحرك عاجل لإصلاح جذري وشامل في إدارة الموارد والاقتصاد والسياسة. أما تجاهل الأزمة فسيجعلها تتمدد بسرعة، وقد تتحول إلى انهيار شامل يصعب إيقافه؛ فالماء قد ينقطع، والكهرباء قد تتعطل، لكن غضب الشعوب حين يفيض لا يمكن احتواؤه بالوعود ولا بالبيانات ولا بالوعود المستحيلة التحقيق. إيران اليوم تقف حقًا على فوهة بركان، وكل يوم يمر دون خطوات عملية هو خطوة جديدة نحو لحظة الانفجار.

 

 

 


مشاهدات 42
الكاتب عبد القادر حداد
أضيف 2025/11/19 - 5:27 PM
آخر تحديث 2025/11/20 - 1:52 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 55 الشهر 14168 الكلي 12575671
الوقت الآن
الخميس 2025/11/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير