الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حين يصبح الرقم إعلاناً

بواسطة azzaman

حين يصبح الرقم إعلاناً

هدير الجبوري

 

لم اكن اتخيل ان رقماً صغيراً يمكن ان يهز هدوئي بهذا الشكل.منذ فترة ليست ببعيدة، قررت ان اجعل صفحتي في موقع التواصل الاجتماعي عامة، لتكون مرآة لنشاطي الادبي والثقافي، ولمشاركتي في الملتقيات والحوارات، ولاني كاتبة وعضوة في اتحاد الادباء وصحفية تنشر مقالاتها في الصحف العربية والدولية، اردت ان اصل الى جمهور اوسع، فاخترت ان اروّج لبعض منشوراتي — وبالذات تلك التي انشرها في جريدة(الزمان)، الجريدة الاثيرة على قلبي.خطوة بسيطة... كان يفترض ان تكون كذلك.

طلب مني النظام ان ادرج رقم هاتفي لاكمال اعدادات الترويج، ففعلت، ظناً مني ان الرقم سيبقى في مساحة خفية لا يراها احد، بيني وبين واجهة الموقع. لكني اكتشفت بعد ايام ان الرقم اصبح معروضاً اسفل منشوراتي امام الجميع، بلا اذن ولا تنبيه ،ومن هنا بدأت القصة.

في الصباح، في المساء، وفي ساعات متأخرة من الليل، بدأت الارقام المجهولة تطرق هاتفي بالحاح غريب. مكالمات لا تشبه بعضها، لكن يجمعها شيء واحد: الجرأة المفرطة.

لم اربط بين ما قمت به وما يحدث، حتى اجبت بدافع الفضول على احدها، فسمعت صوتاً غريباً يقول بلطف مصطنع:هل هذا الرقم لطلب الزواج؟ لقد وجدته اسفل منشورك!

تجمدت، لم استطع الرد، انقطعت كلماتي كما لو انها اصطدمت بجدار من العبث.تلتها مكالمة اخرى، ثم اخرى ولم أرد عليها... اصوات تجهل ان امامها انسان له احترام وخصوصية، لا مجرد رقم عابر في فضاء افتراضي.تساءلت في داخلي، لا عن نفسي، بل عن مجتمع باكمله:ما الذي جرى لنا؟ كيف تماهى الخطأ التقني مع خطأ اخلاقي اكبر منه؟ متى فقد الناس التزامهم بالحدود، واحترامهم للاخر، وتلك الهيبة التي كانت تحيط بالمرأة في مجتمع كان يؤمن يوماً بالعيب وبالقيم وبالحياء؟ هل باتت بعض الصفحات المسيئة، والسلوكيات المنفلتة، كافية لتعميم الانحلال على الجميع؟ الهذا الحد اختلط الحابل بالنابل، حتى صار المثقف يقاس بمعايير العابث، والكاتبة تحاكم بجريرة من تبتذل حضورها؟

تجربتي هذه الصغيرة، بكل ما فيها من استغراب ووجع، ليست عن رقم هاتف ظهر في اعلان... بل عن منظومة كاملة من المفاهيم بدأت تتآكل من الداخل، عن مجتمع يوشك ان يفقد صوته النقي وسط ضجيج الانحدار.

لقد كانت مكالمات عابرة، لكنها ايقظت في داخلي سؤالاً اكبر من الحدث نفسه: هل نقرأ على قيمنا واخلاقنا السلام؟ ام ما زال هناك بصيص ضوء يرفض ان يطفأ وسط هذا الليل الطويل؟

 


مشاهدات 42
الكاتب هدير الجبوري
أضيف 2025/11/12 - 4:11 PM
آخر تحديث 2025/11/13 - 12:14 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 11 الشهر 8818 الكلي 12570321
الوقت الآن
الخميس 2025/11/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير