الوظيفة أخلاق قبل أن تكون مرتباً
مقداد ميري
الوظيفة ليست مقعداً ولا توقيعاً ، بل هي رسالة أخلاق و مسؤولية إنسانية قبل أن تكون مصدر رزق أو إمتياز إجتماعي .
الموظف الحقيقي لا يختبر ضميره في نهاية الشهر ، بل في كل لحظة يقف فيها أمامه إنسان ينتظر منه خدمة ، أو كلمة أو حتى نظرة أحترام .
قوة ناعمة
إن منطق الوظيفة الحديثة لا يقوم على السلطة ، بل على الخدمة العامة ، و كل من يجلس خلف مكتب حكومي أو يرتدي زي الدولة ، إنما يحمل رمز الثقة التي أودعها الناس فيه ، لا سلاحاً للتسلط عليهم .
فحين يكون الموظف مؤدباً و متعاوناً و متفهماً ، فإن المواطن يغادر و هو يشعر أن الدولة تحترمه ، أما حين يكون قاسياً أو متكبّراً ، فإن المواطن يخرج ناقماً ، لا على الشخص فحسب بل على المؤسسة بأكملها .
لقد أثبتت التجارب أن الأخلاق هي القوة الناعمة للمؤسسات ، قد تُغفر الأخطاء الإدارية ، لكن لا يُغتفر الجفاف الإنساني ، قد ينسى الناس التأخير في إنجاز معاملاتهم ، لكنهم لا ينسون إهانة أو كلمة جارحة .
إن أحترام الناس قانون غير مكتوب ، لكنه أعلى من كل القوانين ، لأنه ينطلق من الضمير لا من النصوص ، و من الإحساس لا من اللوائح .
و هو ما يجعل الموظف الحقيقي يحترم الكبير ، و يرحم الصغير و يتعامل مع الجميع بعدلٍ و إبتسامةٍ تليق بمن يمثل الدولة أمامهم .
خطط انسانية
حين نفهم أن الوظيفة تكليف لا تشريف ، وخدمة لا سلطة و أن الأحترام لا يحتاج قراراً وزارياً ليُمارَس ، حينها فقط تصبح مؤسساتنا أكثر إنسانية ، ودولتنا أكثر هيبة ، و مواطنونا أكثر ثقة .
و في النهاية تبقى أخلاق الموظف هي المعيار الأصدق لنجاح المؤسسة ، لأن التعامل خطط الإنساني لا يحتاج إلى تعليمات ، بل إلى ضمير حي و شعور بالمسؤولية تجاه الناس .
فالوظيفة مهما علت لا تكتمل قيمتها .. إلا حين تُمارَس بروحٍ راقية ، تحترم الإنسان و تقدّر حاجته ، و تجعل من القانون جسراً للرحمة لا سيفاً للتسلّط .
و حين يدرك الموظف أن أحترام الناس قانون غير مكتوب ، لكنه أعمق من كل القوانين ، يصبح وجه الدولة أكثر إنسانية و بهاءً .