الإعلام النفسي.. سلاح خفي في سباق الانتخابات

دعاء يوسف

لم يعد الإعلام اليوم وسيلة لنقل الخبر فحسب، بل تحوّل إلى أداةٍ مؤثرة في تشكيل العقول والمشاعر وتوجيه الرأي العام. وهنا يبرز مفهوم الإعلام النفسي، الذي يقوم على استخدام الرسائل الإعلامية بطريقة مدروسة تستهدف المشاعر والانفعالات بدلًا من العقل والمنطق فقط. فهو لا يقول لك ما تفكر به، بل يجعلُك تشعر بما يريد أن تشعُر به.

في زمن الانتخابات، يزداد حضور هذا النوع من الإعلام بشكل واضح. نلاحظ يوميًا كيف تمتلئ شاشات التلفزيون ومنصات التواصل الاجتماعي بمقاطع وتصريحات توحي بأن “فلان يتصدر نتائج التصويت”، و”المرشح الفلاني يحظى بدعمٍ جماهيري واسع”، في محاولة لزرع فكرة التفوق النفسي في عقول الجمهور. هذه الرسائل المتكررة تُحدث تأثيرًا خفيًا يجعل بعض الناخبين ينجذبون تلقائيًا إلى “الفائز المحتمل”، وكأنهم يشاركون في نصرٍ مسبق الإعداد.

الإعلام النفسي لا يعتمد على الكذب المباشر دائمًا، بل يوظّف أساليب التكرار والتأطير والإيحاء العاطفي لتكوين صورة ذهنية إيجابية عن شخصية معينة، وأخرى سلبية عن خصمها. إنه حرب ناعمة تُدار بالكلمات والصور واللقطات المنتقاة بعناية. فكل ظهورٍ إعلامي لمرشحٍ يرافقه موسيقى معيّنة أو لونٌ محدد أو تعبيرٌ انفعالي محسوب، هو في الحقيقة رسالة نفسية تهدف إلى تعزيز الثقة أو إثارة التعاطف أو إشعال الحماس.

المشكلة أن كثيرًا من المتلقين لا يدركون أنهم جزء من هذه اللعبة الذكية. فالمتحدث الذي يظهر بهدوءٍ وابتسامةٍ مدروسة قد لا يكون أكثر مصداقية، لكنه أكثر قدرة على التأثير العاطفي. وهنا تكمن خطورة الإعلام النفسي في غياب الوعي النقدي، إذ يصبح الجمهور ضحية لموجاتٍ من “الإيحاء الجماعي” التي توجّه مشاعره دون أن يشعر.

ختامًا، نحن بحاجة إلى ثقافة وعي إعلامي تحصّن الفرد من الانجراف وراء الرسائل الموجهة. فالإعلام النفسي ليس شرًّا بحد ذاته، لكنه يتحول إلى أداة تضليل حين يُستخدم لتزييف الحقائق وصناعة أوهام التفوق الانتخابي. ويبقى السؤال: هل نحن من نختار من نؤمن به؟ أم يُختار لنا من خلال التأثير النفسي الذي يمارسه الآخرون علينا؟