گلايد يسرى العبادي تزيّن ليل بغداد.. معرض إستعادي يستذكر عنفوان المرأة وشموخ النخلة
بغداد - عبد اللطيف الموسوي
أستذكر الوسط الثقافية والفني المنجز الإبداعي للفنانة التشكيلية الراحلة يسرى العبادي خلال أمسية شهدت افتتاح معرض استعادي لها حمل اسم (گلايد) واحتضنته قاعة ذا كاليري الجمعة الماضية في منطقة الكرادة ببغداد.
وضم المعرض مجموعة من لوحات العبادي التي تميزت بها الفنانة إضافة إلى لوحات مصغرة بالأسود والأبيض تعكس الموروث الشعبي العراقي والإرث الفني للعبادي التي اختطت لها طريقًا مختلفًا عن زملائها.
وقالت شقيقة الفنانة الراحلة، إشراق عبد العادل المدير العام لدار المأمون للترجمة والنشر أن (المعرض يمثل محطة فنية تؤكد عمق المحبة والوفاء لفنانة تركت بصمتها في المشهد التشكيلي العراقي، من خلال تجربة فنية عكست الواقع العراقي برؤية خاصة بها عبر ثيمات قريبة من مجتمعنا مثل النخيل والنساء والوجوه والعيد وأزقة بغداد مزدانة بنصوص تتداخل مع سردياتها اللونية التي تقترحها على أسطح لوحاتها المفعمة بالحياة فكانت كل لوحة حكاية حية تلامس وجدان المشاهد)، مضيفة أن ( الراحلة استطاعت أن تصنع لنفسها أسلوبا فنيا متفرّدا يصور لنا أحلام الفتيات الملونة بفضاء يجد فيه المتلقي ذاته عبر عالم ينساب به اللون بعفوية شكلت رؤيا فنانة استطاعت أن تتجاوز الشكل إلى المعنى).
وتحدث المدير العام لدائرة الفنون التشكيلية قاسم محسن لـ(الزمان) عن انطباعاته قائلًا (من الجميل أن نشهد افتتاح هذا المعرض الاستعادي الفنانة الراحلة العبادي فهو يعد جزءًا من الاهتمام بالمنجز الإبداعي العراقي، في أقل تقدير المنجز النسوي. وقد شهدت هذه القاعة مؤخرا عرض أعمال فنانين راحلين آخرين كان آخرها معرض أستاذنا الفنان بلاسم محمد واليوم تحتضن القاعة تجربة فنانة مهمة راحلة هي يسرى العبادي)، مضيفًا ( بالرغم من أن كثير من الأعمال المعروض بقياسات صغيرة وبأحجام مختلفة لكنها امتازت بقياسات صغيرة مع وجود بعض الأعمال المستطيلة بقياسات طويلة لكنها أيضاً بقياسات تعد صغيرة والجميل في ما لمسته في المعرض وربما كان غائبًا عني أنا الفنان التشكيلي عن تجربة يسرى العبادي من خلال مشاهدتي هذا الكم من الأعمال البالغ قرابة الثمانين عملًا اكتشفت أنها فنانة تعرف من أين تبدأ وكيف تنهي اللوحة بطريقة متسلسلة بنائية).
صحف ومجلات
وتابع محسن (استخدمت العبادي عدة تقنيات ووظفتها بنجاح كما أدخلت الكولاج وبعض القصاصات من الصحف والمجلات كذلك امتاز معرضها هذا بجرأة لونية فهي تستخدم ألوانًا زاهية ولم تكتف بإنتاج أعمالها بالألوان الأكريلك فبعض اللوحات منجزة بالألوان الزيتية وهذه أيضاً تعد بصمة جميلة للفنانة)، لافتًا إلى أن(العبادي طرحت في لوحاتها مواضيع مختلفة مثل الإنسان والفقر والفتاة سواء بأعمار الصبية الصغيرات وصولا إلى الأعمار الكبيرة من النساء بطريقة ربما تضمنت بعض اللمسات الأنثوية بما يؤكد عمق تجربتها الفنية والشخصية لتبرز عن إمكانياتها وقدرتها العالية على إنتاج عمل يحمل الموروث العراقي الأصيل وكذلك بصمة فنية عراقية من خلال استلهامها الموروث مثل عربة الربل التي كانت شائعة في مناطق مختلفة من بغداد مثل الكاظمية وهذا أمر يحسب لها، كما ان النخلة كانت حاضرة بأعمالها). ومضى قائلًا (بدأت العبادي مسيرتها الفنية برسم البنت العراقية ثم أدخلت النخلة العراقية الباسقة إلى رسوماتها لكي تمنح هوية معنوية لفنها، وقد بدت مثل كثير من الرسامين والنحاتين ، متأثرة بجزئية أستخدمها النحات ألبيرتو جياكوميتي في منحوتاته وهي الاستطالة التي استخدمها في منحوتاته، وانا احد الذين تأثروا به وكنت امنح منحوتاتي شيئًا من الاستطالة لتعبّر عن السمو والرفعة). وأنهى محسن حديثه (بتقديم الشكر لعائلة الفنانة الراحلة لإتاحتها الفرصة لمحبي الفن لإستذكار منجز العبادي وسط هذا الجو الفني الجميل ليعيشوا أجواء يسرى العبادي ولمساتها الفنية التي يثير الدهشة).
بدوره قال المدير العام لدائرة قصر المؤتمرات منتصر الحسناوي لـ (الزمان) أن (الجميع يعرف الفنانة يسرى العبادي بوصفها فنانة تشكيلية عراقية حملت اسم العراق إلى كثير من البلدان العربية والعالمية لكن لا أحد يعرف أنها ابنة العشيرة الفراتية، ابنة الأرض الطيبة والنخلة الباسقة، ابنة السلف والديوان ومن هذه البيئة استنبطت معظم نتاجاتها الفنية، فلا يكاد يخلو عمل لها من وجود النخلة ومن وجود البنت العراقية ببساطتها وعفويتها)، مضيفًا أن (يسرى، وإن عاشت معظم حياتها في بغداد، لم تتخلّ يوماً عن ذاكرة الفرات.
إنّها ابنة المضيف والريف الجنوبي الذي أنضج حسَّها الجمالي ومنحها دفءَ اللون وصدقَ التعبير). وتابع الحسناوي إن (لوحات العبّادي كانت مزيجاً من الأصالة الفراتية والحياة المدنية البغدادية؛ امتزج فيها التراث بالحلم والريف بالمدينة، والبساطة بالعمق.ومن يتأمّل أعمالها يدرك أنّ الجمال لا يحتاج إلى تعقيد، وأن البساطة قد تكون أصدق مرآةٍ للروح العراقية). وشهد المعرض حضور نخبة طيبة من الوسط الفني والثقافي من بينهم المستشار الثقافي لرئيس الوزراء، عارف الساعدي وعدد من المديرين العامين في وزارة الثقافة والسياحة والآثار.
ويؤكد معرض (گلايد) للفنانة العبادي التي توفيت في بغداد في 29 حزيران /يونيو 2022 أن هذه الفنانة رحلت تاركة وراءها إرثًا غنيًا من محبة الناس وبصمة فنية متفردة لن تمحى من ذاكرة التشكيل العراقي.