الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العراق.. من الديمقراطية الشكلية الى الأوليغارشية الحقيقية

بواسطة azzaman

العراق.. من الديمقراطية الشكلية الى الأوليغارشية الحقيقية

طارق جوهر سارمە مي

 

على مدى أكثر من عقدين، يتردد في الخطاب السياسي والإعلامي أن العراق يعيش تجربة ديمقراطية، لكن الواقع يُظهر صورة مغايرة تمامًا. صحيح أن الانتخابات تُجرى بانتظام كل أربع سنوات، وأن الدستور يكرّس مبدأ الفصل بين السلطات، وأن البرلمان يُفترض أن يكون ممثلًا لإرادة الشعب،وان تكون السلطة القضائية مستقلة وحيادية، إلا أن السلطة الحقيقية ما زالت محصورة في أيدي قلة محدودة من الزعماء والعائلات السياسية والعشائرية التي تسيطر على مفاصل القرار السياسي والاقتصادي.

منذ عام 2003، لم تتغير طبيعة هذه الطبقة الحاكمة التي تحتكر المشهد السياسي، وتعيد إنتاج نفسها في كل دورة انتخابية. فقد تحوّل النظام السياسي في بغداد إلى ساحة لتقاسم النفوذ عبر المحاصصة الطائفية، حيث تُوزّع الوزارات والمؤسسات الحكومية كحصص حزبية في إطار تسويات واتفاقات سياسية، حتى غدت المناصب العامة تُباع وتُشترى كما تُباع السلع في الأسواق. وبات المراقبون يصفون الديمقراطية العراقية بانها تعمل في إطارٍ شكليّ أكثر منها جوهريّ، حيث تحوّل النظام السياسي إلى ما يمكن وصفه بـ الأوليغارشية المقنّعة، أي حكم النخبة التي تحتكر القرار السياسي والاقتصادي تحت مظلة مؤسسات ديمقراطية ظاهرية.

ورغم انتظام الانتخابات، فإن نسب المشاركة الشعبية تتراجع دورةً بعد أخرى، في ظل شعورٍ متزايد بالإحباط وفقدان الثقة. فغالبية العراقيين والمراقبين باتوا يعرفون النتائج مسبقًا: نفس الوجوه، نفس القوى، ونفس السياسات تعود لتُعيد إنتاج الواقع ذاته، من دون تغيير حقيقي في بنية الحكم أو إدارة الدولة. يرى المجتمع الدولي أن تعدد الدوائر الانتخابية ك(نظام سانت ليغو المعدّل) تسبب في تشتيت الأصوات واحتكار القوى الكبيرة للمقاعد، ما يتعارض مع مبادئ التمثيل العادل.

وفي إلاقليم، لا يختلف المشهد كثيرًا. فالتعددية الحزبية القائمة لا تتجاوز حدود الشكل، بينما يُترك القرار الفعلي في أيدي حزبين رئيسيين يتقاسمان النفوذ بين المنطقتين المعروفتين باللونين "الأصفر" و"الأخضر". وتخضع مؤسسات الدولة في الإقليم ـ من الاقتصاد إلى الأمن ـ لهيمنة حزبية واضحة، بحيث باتت المشاركة السياسية محدودة في نطاق أوليغارشية حزبية ـ عائلية تتحكم بمسار السلطة وتوجّهها بما يخدم مصالحها.

إن ما يُسمى بـ"الديمقراطية العراقية" أو "ديمقراطية الإقليم" لا تتجاوز كونها ديمقراطية شكلية، تُمارَس طقوسها في صناديق الاقتراع، لكن القرار النهائي يُحسم خلف الكواليس في الغرف المغلقة بين زعماء القوى السياسية والاقتصادية، فالمواطن يشارك في التصويت، لكنه لا يشارك في القرار.

إن العراق اليوم يعيش في إطار نظام هجين: ديمقراطي في الشكل: عبر الانتخابات، والدستور، والتعددية الحزبية. و أوليغارشي في الجوهر: من خلال احتكار القرار والثروة والسلطة من قبل فئة محددة. هذا التناقض بين الشكل والمضمون هو ما يجعل التجربة العراقية عرضة للأزمات المتكررة، ويؤخر بناء دولة المواطنة والمؤسسات.

 

وإذا كانت الانتخابات لا تُفضي إلى تغيير في الوجوه، ولا تُسقط الفاسدين، ولا تُنتج مؤسسات حقيقية خاضعة للمساءلة، فالسؤال المشروع الذي يطرحه المواطنون اليوم هو: ما جدوى هذه الانتخابات؟ وما معنى الديمقراطية إذا كانت تُستخدم لتجميل وجه نظامٍ تحكمه مصالح ضيقة ونخب محدودة؟

إن العراق وإقليم كردستان يوجهان تحديات كبيرة ويقفان اليوم أمام مفترق طرق: فإما أن تستمر هذه الأوليغارشية السياسية في إعادة إنتاج نفسها حتى ينهار الإيمان الشعبي بالديمقراطية كليًا، أو أن تبدأ القوى الوطنية بإعادة تعريف العملية السياسية على أسس المشاركة والمساءلة وتداول السلطة من خلال احترام ارادة الناخبين، حتى تعود الديمقراطية إلى معناها الحقيقي:  حكم الشعب بإرادة الشعب ولصالح الشعب.


مشاهدات 130
الكاتب طارق جوهر سارمە مي
أضيف 2025/11/08 - 4:16 PM
آخر تحديث 2025/11/09 - 2:03 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 77 الشهر 5816 الكلي 12367319
الوقت الآن
الأحد 2025/11/9 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير