الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ضياع الذات بين أروقة التكنولوجيا

بواسطة azzaman

ضياع الذات بين أروقة التكنولوجيا

ساجدة جبار

 

في زمنٍ أصبحت فيه الشاشات نافذتنا إلى العالم، بات الإنسان يعيش ازدواجية غريبة بين واقعه الحقيقي ووجوده الرقمي. تَسارعت خُطى التكنولوجيا حتى غدت جزءًا لا يتجزأ من تفاصيل يومنا، لكنها في الوقت ذاته سلبت من الإنسان شيئًا أثمن من الوقت… سلبت ذاته.

لم تعد الهواتف الذكية وسيلة للتواصل فحسب، بل أصبحت مرآة نرى فيها أنفسنا كما نريد أن نُرى لا كما نحن عليه حقًا. خلف الصور المفلترة والمنشورات المنتقاة بعناية، تضيع ملامح الإنسان الحقيقية، وتغيب الأصوات الداخلية وسط ضجيج الإشعارات والرسائل المتلاحقة.

إننا نعيش اليوم في عالمٍ متصل دائمًا، لكن القلوب فيه مفصولة عن بعضها. نبحث عن الإعجابات أكثر من البحث عن المشاعر، نلهث وراء التفاعل الإلكتروني بينما نُهمل دفء اللقاء الإنساني. ومع مرور الوقت، تتآكل ملامح الذات شيئًا فشيئًا، حتى يصبح الإنسان غريبًا عن نفسه، لا يعرف ماذا يريد، ولا يسمع صوت روحه في زحمة البيانات.

لقد منحتنا التكنولوجيا قوةً خارقة للمعرفة والوصول، لكنها في المقابل سرقت بساطة الروح وهدوء الفكر. باتت العزلة خيارًا نادرًا، والتأمل رفاهية لا يجدها إلا من يجرؤ على الصمت وسط صخب العالم الرقمي.

إن ضياع الذات في عصر التكنولوجيا ليس حتميًّا، لكنه خطرٌ صامت يحتاج إلى وعيٍ دائم. علينا أن نعيد رسم حدودنا مع الأجهزة، أن نستخدمها دون أن نسمح لها بابتلاعنا، وأن نتذكّر أن خلف كل شاشة، هناك إنسان بحاجة إلى أن يعيش، لا أن يُبرمج.فالتكنولوجيا خُلقت لتخدم الإنسان، لا ليذوب في كوداتها.

وما أجمل أن نستعيد أنفسنا من بين الأصابع التي تكتب… إلى القلوب التي تشعر.

 

 


مشاهدات 88
الكاتب ساجدة جبار
أضيف 2025/11/03 - 2:25 PM
آخر تحديث 2025/11/04 - 10:46 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 329 الشهر 2658 الكلي 12364161
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/11/4 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير