الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حين ينطق الحجر تحت أزميل طلال صفاوي: أعمالي تحمل نبض الحياة اليومية لمدينة الموصل

بواسطة azzaman

حين ينطق الحجر تحت أزميل طلال صفاويأعمالي تحمل نبض الحياة اليومية لمدينة الموصل

 

الموصل - هدير الجبوري

في ذاكرة الموصل، لا تسجل الحكايات بالكلمات وحدها، بل تخلد ايضا بالحجر والبرونز والرخام، على يد فنانين جعلوا من النحت لغة صامتة تصرخ بالجمال والانتماء. ومن بين هؤلاء يبرز اسم النحات طلال صفاوي الذي خط تاريخه الفني باعمال خالدة ازدانت بها ساحات الموصل، قبل ان تمتد اليها ايادي الظلام فتتعرض للتدمير الوحشي على يد داعش في واحدة من ابشع صور استهداف الجمال والذاكرة. ومع ذلك ظلت تلك الاعمال تعيش في وجدان المدينة وابنائها، شاهدة على روح مبدع أحب مدينته ووطنه رغم ما لاقاه من غبن واهمال.

صفاوي لم يكن مجرد نحات، بل روحاً صبورة اخلصت للفن وللذاكرة الجمعية، وحضوره في كل الملتقيات الثقافية في الموصل كانت رسالة صامتة بان الابداع لا ينطفئ، حتى وان غاب التكريم او تأخر الاعتراف.

ان لقاءنا به اليوم هو دعوة مفتوحة لتقدير هذا الفنان الكبير، ورد الاعتبار له بما يليق بتاريخه واسهاماته، ورسالة الى وزارة الثقافة العراقية كي تحتفي بمن صنعوا جمالا يليق بالعراق وتاريخه العريق.

لنبدأ من البدايات... من الطفولة التي احتضنت أحلامك الأولى. حدثنا عن نشأتك الأولى، وأين تلقيت دراستك، وما هي المدارس التي شكلت الخطوة الأولى في مسيرتك التعليمية والفنية؟

- ولدت في قلب الموصل، أكبر مدن العراق، وترعرعت بين أزقتها ونفحها التاريخي، وبالتحديد في منطقة باب الجديد. بدأت رحلتي التعليمية في المدرسة العراقية، وأكملت دراستي فيها، ثم واصلت مسيرتي في المرحلة المتوسطة بمتوسطة المثنى. بعد ذلك، فتحت أمامي أبواب الإبداع حين التحقت بمعهد الفنون الجميلة في بغداد، حيث بدأت صقل موهبتي والنحت على جسد الفن.

اي سنة التحقت فيها بمعهد الفنون الجميلة؟ وما هو التخصص؟

- التحقت بمعهد الفنون للعام الدراسي 1963-1964 في قسم النحت ومن خلال دراستي في المعهد كنت الاول على القسم.

متى بدأت تنبثق في داخلك شرارة شغف النحت؟

- في الحقيقة، كان النحت جزءاً من فطرتي منذ نعومة أظافري، وما زاد هذه الموهبة رسوخاً وتشبعاً هو معلمي في المدرسة العراقية، الذي كان أول من أشعل شرارة هذه الطاقة الفنية وأيقظ في داخلي محبة لا حدود لها لعالم النحت.

بعد أن أتممت دراستك في معهد الفنون الجميلة، متى بدأت مشوارك المهني؟

- بعد تخرجي من المعهد تم تعييني في جامعة الموصل (متحف جامعة الموصل).

هل اكملت الدراسة الجامعية بعد اكمال المعهد حدثنا عن ذلك؟

- أقولها بفخر وصوت مدوٍ: كنت الأول على العراق، وقد قُبلت لإكمال دراستي العليا في لندن والبرازيل، لكن الظروف القسرية آنذاك حالت دون ذهابي وتحقيق هذا الحلم الكبير، لتبقى هذه الفرصة العظيمة مؤجلة رغم كل الاستعدادات والطموح.

نبض الحياة

ماهو اول عمل قدمه طلال صفاوي لمدينة الموصل؟

- كانت باكورة أعمالي الفنية مشاريع تحمل في طياتها نبض الحياة اليومية للمدينة، مثل تمثالي 'بائع عرق السوس' و'حاملات الجرار'، اللذين جسّدا الروح الشعبية والتراثية للموصل، وفتحا أمامي آفاق النحت الواقعي الذي يلتقط تفاصيل الإنسان وبيئته، ويحوّلها إلى لغة فنية خالدة.

ماهي القيم الاساسية الواجب توافرها في الاعمال النحتية لاي نحات؟

- النحت ليس مجرد لعبة يمتهنها البعض اليوم، ولا يمكن وضع أي عمل عشوائي في الأماكن العامة، فكل قطعة تحتاج إلى أساس من علم التشريح والنسب الدقيقة، وإحساس رفيع بالجمال والإخراج الفني، لتتحول من مجرد مادة إلى لغة تتحدث إلى الروح.

معظم أعمالك تتسم باستخدام مادة البرونز، فما السبب وراء تمسكك وإصرارك على هذه المادة بالذات؟ وإذا أتيحت لك الفرصة لتنظيم معرض كامل لأعمالك البرونزية، هل تشعر بأنك قادر على تقديمه بما يليق بروح هذه المادة ؟

- البرونز مادة عالمية للنحت، تحمل بين طياتها الجمال والديمومة، أما السمنت فهو مادة للبناء واستخدامات أخرى. وبالنسبة لي، ما زلت أمتلك القدرة والشغف للعطاء والتقديم، ولو طُلب مني تنظيم معرض لأعمالي البرونزية، فأنا مستعد لذلك بكل حماسة.

ما هي أبرز الأعمال الفنية التي أنجزتها في نينوى، وبالتحديد في مدينة الموصل، والتي تركت بصمتها في ساحاتها وشوارعها على مرّ السنوات؟

- لقد أنجزت نحو 120 عملاً تراثياً في متحف جامعة الموصل، تجسدت فيها عادات وتقاليد المدينة وحرفها اليدوية، كما وزُعت بعض هذه الأعمال في ساحات الموصل لتعكس روحها وحياتها اليومية، ومن أبرزها: (بائع السوس – الأسود – ابن سينا – الإبريق الموصلي).

 

التكملة على موقع (الزمان) الالكتروني

 *الكثير من أعمالك التي ازدانت بها ساحات الموصل تعرضت للتدمير على يد داعش، كيف عشت تلك اللحظة؟

_ من أكبر المصائب ان الانسان الجاهل عندما يقحم نفسه في مسألة مهمة مثل الدين او التراث والتأريخ يصبح عدو لدود للحضارات الانسانية وقد تحطم كل شئ سجلته حضارياً لمدينة الموصل الشامخة,,كل الاعمال الخاصة بي حُطمت من دون سبب من هؤلاء الذين هم بحق اعداء الحضارة..لاااستطيع وصف مقدار الألم الذي احسسته ويحسه كل انسان تدفن ثمرة جهده ركام الحروب..

*متحف جامعة الموصل الثري بالنتاجات الفنية ماذا كانت إسهاماتك فيه حدثنا عن ذلك ؟

_ بعد تأسيس المتحف في الجامعة، لم يدم طويلاً حيث أُلغِي لاحقاً بعد تغيير نظام الحكم، لكنني استمريت في المساهمة الفنية من خلال نحت 120 عملاً متميزاً أضفت عليها عناصر الديكور والإضاءة بعناية، لتظل هذه الأعمال شاهدة على روح الفن والتراث في الجامعة وعلى إبداعي الذي لم يتوقف رغم الظروف المتغيرة

*ماالذي تبقى من الاعمال النحتية في ساحات الموصل ؟

_ لم يبقَ من أعمالي سوى الإبريق الموصلي، الذي تعرض أيضاً للتدمير الكلي على يد المدمّرين، لكنني شرعت في ترميمه بعناية، وتم نقله ليتزين بين أربع ساحات، حاملاً روح الموصل وتاريخها الفني رغم كل ما حلّ بها

* يُقال إن الفنان طلال صفاوي رفض إعادة نحت أعماله التي دمرها داعش، فما السبب وراء هذا الرفض ؟

_ نعم، عُرض علي إعادة صب تمثال السواس بارتفاع خمسة أمتار من مادة البرونز، لكن عند حضور المقاول طُلب مني صبه بمادة السمنت، فرفضت ذلك تماماً، إذ كان الأمر بالنسبة لي أشبه بمحاولة وضع الثرى مكان الثريا.

 *هل شعرت أن الدولة قد كرّمتك بما يليق بمجموع أعمالك وما قدمته لبلدك العراق  ومدينتك الموصل من إنجازات كبيرة ومميزة ؟

_ من أكبر المآسي أن يظل الإبداع والجهد الفني بدون  التقدير الذي يستحقه، خاصة حين لا يجد الفنان من يلتفت لإنجازاته ويحتفي بها هذه الحقيقة تعكس أحياناً صعوبة منح الفنان الاعتراف الملائم لمسيرته وإبداعه، رغم ما قدمه من منجزات فنية قيمة..

* لقد كان لك دور بارز في إعداد مهرجان الربيع إلى جانب مجموعة من الفنانين، وساهمت في وضع الأسس اللازمة لإنجاحه، فكيف ترى المهرجان اليوم؟

_ في زمن المحافظ علاء الدين البكري، تلقينا طلباً للإعداد لمهرجان الربيع، وكنت آنذاك مع الزملاء راكان دبدوب وضرار القدو رحمهما الله، إلى جانب مديري معمل النسيج والسكر وغيرهم من المسؤولين. وبعد المداولات والنقاشات، تم الاتفاق على اعتماد يوم 1-4 من كل عام ليكون موعداً لإقامة مهرجان الربيع، الذي كان يزهو بمشاركة رجال أصحاب مكانة كبيرة ووظائف مرموقة في الدولة.

لكن مع مرور الوقت، تغير شكل المهرجان وأصبح يُقام بمواكب أقل شأنًا ومستوى أقل تأثيراً، واستُغلت ظروف معينة من قبل بعض الأفراد الذين لم يكونوا مؤهلين لتحمل المسؤولية، مما انعكس على جودة المهرجان ومكانته. أقول هذا بصراحة، لما عايشته من تجربة وإدراك بأهمية التنظيم والجهد الحقيقي الذي يتطلبه إنجاح مثل هذه الفعاليات.

*هل دخلت للمنافسة ضمن مسابقات عربية او عالمية وهل صممت يوما بعض الاعمال لتكون مناسبة للدخول في هذه المسابقات؟

_ شهد العراق في تلك الفترة مسابقات فنية عديدة على مستوى جميع المحافظات، وقد شاركت في العديد منها، بما في ذلك أعمال مثل 'عروس مندلي' و'يونس السبعاوي' و'نصب الشهيد' و'قادة الجيش العراقي'. ومن بين هذه الأعمال، فزت بآخرها، وتم نصبه على شط العرب في محافظة البصرة، بارتفاع خمسة أمتار، ليصبح علامة بارزة في المشهد الفني والوطني..

* ما الذي يمنحك القوة للاستمرار في العطاء ومواصلة نشر الفن في أرجاء مدينتك ووطنك؟

_ حبي العميق لمدينتي القلب النابض لوطني العظيم ..

*أخيراً، ما هي رؤيتك اليوم للشأن الفني والثقافي في مدينة الموصل؟

_ أعتبر مدينة الموصل رأس العراق العظيم، ومع ذلك، من أكبر التحديات فيها انتشار المحسوبية والمنسوبية والانتهازية، ما يحد من تقدم الفنانين الحقيقيين ويفسح المجال لمن لا يستحق في ميادين الثقافة والفن. وهذه هي رؤيتي الصريحة عن الواقع الفني في المدينة.

 

 


مشاهدات 268
أضيف 2025/09/28 - 3:01 PM
آخر تحديث 2025/10/03 - 12:42 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 23 الشهر 1372 الكلي 12041227
الوقت الآن
الجمعة 2025/10/3 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير