الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المساء الأخير

بواسطة azzaman

المساء الأخير

فاتح عبد السلام

 

 قبل أيام اتصل بي صديق قديم زار العراق بعد اغتراب طويل، وذهب الى بيته اهله معايناً مكتبته الشخصية الغالية على قلبه التي جمع كتبَها كتابا فكتاباً من مصروفه اليومي يوم كان طالبا ومن راتبه المحدود يوم توظف قبل أن يهاجر. وتحدثنا عن الكتب التي باتت نادرة بعد نفاد طبعاتها الأولى، وكيف كان للكتاب الجديد وقع خاص على النفس، وكيف كنا نقتني الكتب ككنوز صغيرة اهتدينا الى مخابئها، متنقلين من مكتبة الى أخرى في المدينة التي نحفظ عن ظهر قلب رفوف مكتباتها وحين يصل الكتاب الجديد الى واحدة منها نميزه من النظرة الأولى. في ذلك العالم المختلف في منتصف السبعينات وحتى منتصف الثمانيات من القرن الماضي، كان المثقفون والادباء والأكاديميون والطلبة الحالمون لا يتركون كتاباً واحداً في اصدار جديد إلا واقتنوه أو دلوا الاخرين عليه أو حثّوا على اقتنائه أو تناولوه في محاضرة جامعية أو في مقهى على نهر دجلة كما كان يفعل اولئك الكبار عمر الطالب ويوسف البارودي وسعدالدين خضر وعبدالباري عبد الرزاق النجم مساء كل يوم صيفي، أو  أمسية في اتحاد الادباء او مديرية الثقافة التي سميت بالإعلام الداخلي وأفرغت من محتواها لاحقاً.

 صديقي، اتصل يخبرني انه عثر عن نسخة في مكتبته من ديوان “شاذل طاقة” الأول، وعنوانه المساء الأخير الصادر في العام1950، وقصائده مؤرخة في النصف الثاني من الاربعينات لتواكب موجة ريادة الشعر العربي الحديث. وبعد وصف لي ورق الكتاب الأصفر وتصميمه الهادئ الموغل في الزمن، قال انّ لهذا الكتاب حكاية، كما لمعظم كتبنا في مراحل التكوين الأولى حكايات معنا في طريقة اقتنائها او حصولنا عليها من المؤلفين او في المناسبات.

 وتابع صديقي، وهو بروفسور في اختصاصه وقاد عمادة أهم الكليات في الخارج، انّ مدير الإعدادية المركزية بالموصل، التربوي الرائد نزار المختار، وهو بالمناسبة كان مديري ايضاً ، اهداه ديوان شاذل طاقة ، عندما فاز في مسابقة شعرية طلابية في العام 1976 . وقرأ على مسامعي بالهاتف ذلك الاهداء، واستذكرنا كيف كان شاذل طاقة ذات يوم مدرساً للغة العربية في تلك الإعدادية نفسها وعاصر المختار نفسه، و استذكرنا كيف يوحي التربويون الكبار بضرورة ان يكون كل مَن يتخرج في تلك المدرسة العملاقة سائراً على طريق ابداع ادبي أو علمي أو فكري أو فني أو اقتصادي أو تجاري او عسكري،لا أحد يسقط في الطريق، الجميع كانوا يتخرجون مندفعين نحو معاقل تقدم أخرى، لا يثنيهم عائق بالرغم من ضعف الإمكانات المالية وشظف العيش أحياناً.

fatihabdulsalam@hotmail.com


مشاهدات 148
الكاتب فاتح عبد السلام
أضيف 2025/09/20 - 3:15 PM
آخر تحديث 2025/10/15 - 5:34 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 172 الشهر 10436 الكلي 12150291
الوقت الآن
الخميس 2025/10/16 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير