الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حكايتي مع إعدام العلامة مصطفى جواد

بواسطة azzaman

كلام أبيض

حكايتي مع إعدام العلامة مصطفى جواد

جليل وادي

 

أود تذكير أصحاب القرار بما فعله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أثناء استقباله لموكب ملوك مصر الفراعنة عند نقلهم من المتحف القديم في ساحة التحرير الى المتحف القومي بمنطقة الفسطاط، كان موكبا مهيبا بسيناريو مذهل اقشعرت له الأبدان، وتناقلته جميع وسائل الاعلام في العالم.

يأتي تذكيري للمقارنة بين ما فعله المصريون لرموزهم التاريخية، وبين تعاملنا مع رموزنا الذين نبخل على تماثيلهم بزرع وردة او شجرة يستظلون بها او نافورة تجمّل المكان، فتمثال حمورابي في بابل يعلوه التراب، وساحته متفطرة عطشا، وتُشعرك نظراته نحو بغداد بأنه نادم على ما فعله للعراق من أمجاد، او العلامة مصطفى جواد الذي اقتلع تمثاله رفسا (بدريل همر) عملاق، صامتا يردد مع نفسه (قل مطرقة صادمة ولا تقل دريل همر).

ولي حكاية محزنة مع تمثال هذا الرجل الجليل الذي يسميه العارفون حارس اللغة، وصاحب البرنامج الشهير (قل و لا تقل)، الذي يُصحح فيه الأخطاء اللغوية الشائعة، والذي مشى في جنازته الرئيس الراحل أحمد حسن البكر، والذي اطلق اسمه على واحدة من مدارس قضاء الخالص لكي يبقى راسخا في ذاكرة الأجيال، وخصصت له ساحة واسعة في مدخل المدينة يتوسطها تمثاله.

ومن سخرية القدر أن يُعدم هذا الرجل مرتين، مرة في العام 1994على ما أتذكر، وكنت حاضرا بالصدفة عندما علقته رافعة من رقبته بسلاسل حديدية، فاذا به يتطوح في الهواء أمام الأنظار، وقتها أثارني المشهد فكتبت بعد يومين مقالا بعنوان (اعدام دون مفتٍ) نشر في الصفحة الأخيرة من جريدة الجمهورية، كتبته بطريقة فيها الكثير من الاسقاطات، ويبدو من ذلك اني لم أكن على قدر كاف من النضج السياسي، ذلك ان الحديث عن موضوع الاعدام من المحظورات آنذاك، وربما شفع لي تاريخي الذي ليس فيه سوى محطات معروفة لشاب قروي مازال الطين عالقا بثيابه، ويتطلع لوضع بصمة له الى جانب صحفيين محترفين في جريدة الحكومة (الجمهورية) التي هي واحدة من أربع جرائد يومية فقط، حتى ان مدير التحرير ورؤساء الاقسام استغربوا موافقة رئيس التحرير الاستاذ صلاح المختار على نشر المقال.  حصد المقال ثناء كثيرا من القراء والعديد من الزملاء وأولهم الدكتور رافد حداد مدير التحرير مع انه مقال بسيط، وأعرف ان اللافت فيه هو الجرأة في الحديث عن الاعدام، وليس عن شخصية مصطفى جواد ورمزية تمثاله.

وبعد شهرين من قلع التمثال اتفقت مع زميلتي في قسم الأخبار والتقارير الدولية الاستاذة ناجحة كاظم على اعداد تحقيق صحفي ميداني للبحث عن مصير التمثال، فالتقينا بمحافظ ديالى الأسبق محمد عبد القادر الداغستاني وبعضا من مدراء البلديات وادارة مدرسة مصطفى جواد وبعضا من أقاربه، وبعد جهد جهيد عثرنا على التمثال ملقى على وجهه قرب سياج لمعمل اسفلت برأس مهشمة وساق مكسورة، وملخص ما قاله المعنيون : ان تحسينات ستُجرى على الساحة، وسيُقام تمثال جديد بالاتفاق مع وزارة الثقافة والاعلام، لكن زمنا طويلا مر دون أن تُجرى التحسينات او يُعاد التمثال الا بعد سنوات لا أدري على وجه الدقة تاريخها، وبأنامل فنانين من الدرجة الثانية، ومع ذلك قلنا : تمثال ضعيف فنيا خير من ساحة بلا مصطفى جواد .

اما الاعدام الثاني فحدث قبل أيام، ولكن هذه المرة بعد تعذيبه أشد العذاب برافعة مزودة (بدريل همر)، لتقتلعه من أساسه، وترميه على رأسه بطريقة وحشية أثارت موجة من التذمر على مواقع التواصل الاجتماعي، ما دعا محافظ ديالى السيد عدنان الشمري الى زيارة المكان وتقديم الاعتذار للناس واستعراض مكانة الضحية ودوره العلمي المشهود، وألقى باللائمة على المهندس المشرف على عملية القلع المشين بأنها غير مقصودة، وأخبرنا وبالنص تماما ما تذرع به المسؤولون في التسعينيات بشأن الساحة والتمثال، سبحان الله على توارد الخواطر.

نقبل اعتذارك سيادة المحافظ، ونتفهم عدم التعمد والرغبة بالتطوير، ولكن كيف تنسى ان توصي البلدية بمراعاة رمزية التمثال، وكيف ستكون حال الساحة اذا كان مهندسها لا يعرف من مصطفى جواد سوى اسمه ؟.

 

jwhj1963@yahoo.com

 


مشاهدات 73
الكاتب جليل وادي
أضيف 2025/11/01 - 4:34 PM
آخر تحديث 2025/11/02 - 3:53 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 119 الشهر 898 الكلي 12362401
الوقت الآن
الأحد 2025/11/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير