الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
من يختار السفراء ؟

بواسطة azzaman

من يختار السفراء ؟

محمد علي الحيدري

 

لم يكن تصويت مجلس النواب على تمرير قائمة السفراء التي رفعها مجلس الوزراء حدثًا عابرًا في الحياة السياسية، بل محطة جديدة أطلقت سيلاً من ردود الفعل أغلبها رافض، باعتبار أن الأسماء المختارة تعكس نهجًا مألوفًا يقوم على الولاء لا على الكفاءة. وهنا يبرز السؤال الجوهري: من يختار السفراء؟ وعلى أي أساس؟في زمن تتشابك فيه التحديات الدولية وتتداخل فيه المصالح، لم يعد مقبولاً أن يُدار الملف الدبلوماسي بعقلية الترضيات والمحسوبيات. فالسفير ليس لقبًا بروتوكوليًا ولا مكافأة نهاية خدمة، بل هو عقل سياسي ومهني يمثل صورة الدولة ويصوغ مصالحها في بيئة غالبًا ما تكون معقدة ومليئة بالتنافس. إن إخفاقه لا يعني خسارة شخصية فحسب، بل ارتباكًا في صورة البلد كلها.

التجارب الدولية تضع أمامنا نماذج متباينة. ففي فرنسا وبريطانيا واليابان، يقوم الاختيار على التدرج الوظيفي والاختصاص، حيث يُعد السلك الدبلوماسي مسارًا طويلًا من التدريب والتأهيل. وفي الولايات المتحدة، يُسمح بتعيين شخصيات من خارج السلك في بعض السفارات المهمة كمكافأة سياسية، لكن ذلك يخضع لمساءلة برلمانية صارمة ولرقابة إعلامية قاسية. في المقابل، تكشف التجارب العربية عن ميلٍ واضح إلى التعيين على أسس غير مهنية، فتُوزع المناصب الدبلوماسية كما تُوزع الحقائب الداخلية، خاضعة للتوازنات الطائفية أو الحزبية أكثر من خضوعها لمعايير الكفاءة. المحصلة واضحة: دبلوماسية ضعيفة، تمثيل باهت، ومصالح خارجية تُدار بعقلية الداخل الضيق لا بمنطق الدولة الأوسع. ولعل أخطر ما في الأمر أن ذلك ينعكس مباشرة على مكانة البلد بين الأمم، ويجعل بعثاته الخارجية عبئًا بدل أن تكون أداة قوة ناعمة.

الإصلاح لم يعد ترفًا. المطلوب آلية مستقلة وشفافة لاختيار السفراء، تخضع لمعايير واضحة في المعرفة واللغة والحضور والقدرة على التفاوض والتحليل. والأهم أن تُلزم هذه الآلية السلطة التنفيذية برقابة تشريعية وإعلامية تحول دون تحويل المنصب الدبلوماسي إلى جائزة ترضية. فالسفير ليس سفيرًا لدى دولة أجنبية فحسب، بل هو مرآة وطنه أمام شعبه والعالم. وإذا كانت السياسة الخارجية امتدادًا للداخل، فإن إصلاح الداخل يبدأ من احترام الكفاءة في أصغر التفاصيل وأرفعها، بما في ذلك من يتحدث باسم الدولة خارج حدودها. عندها فقط يمكن القول إن الدبلوماسية أداة نفوذ، لا مسرحًا للمحسوبيات.

 


مشاهدات 196
الكاتب محمد علي الحيدري
أضيف 2025/08/27 - 3:06 PM
آخر تحديث 2025/08/28 - 3:06 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 85 الشهر 19948 الكلي 11415034
الوقت الآن
الخميس 2025/8/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير