الباخرة التركية هل تحل أزمة الكهرباء؟
حاكم الشمري
رغم مرور أكثر من عشرين عاماً على التغيير السياسي في العراق وصرف مليارات الدولارات على قطاع الكهرباء، ما يزال المواطن العراقي يواجه معاناة يومية مع انقطاع التيار الكهربائي، حتى بات الحديث عن الكهرباء جزءاً من الحياة اليومية وهاجساً مستمراً يرافق الناس في الصيف والشتاء على حد سواء. ومع وصول باخرة تركية مؤخراً إلى الخليج لتزويد العراق بالطاقة الكهربائية، يلوح في الأفق أملٌ مؤقت بتحسين ساعات التجهيز، على أمل وصول بواخر أخرى خلال الفترة المقبلة. غير أنّ هذه الحلول تبقى آنية لا ترقى إلى مستوى المعالجات الجذرية التي يمكن أن تجعل العراق بلداً بلا انقطاع كهربائي فمنذ عام 2003 وحتى اليوم، أنفقت الحكومات العراقية المتعاقبة عشرات المليارات من الدولارات على مشاريع الكهرباء. ورغم ذلك، لم يلمس المواطن تحسناً حقيقياً، بل ازدادت الحاجة إلى “المولدات الأهلية” التي أصبحت جزءاً من البنية التحتية للمدن، وأداة لملء الفراغ الحكومي. وهذا الفشل سببه الفساد الإداري والمالي، وسوء التخطيط، وغياب الاستراتيجية الوطنية الواضحة لإدارة ملف الطاقة .
ان استقدام بواخر لتوليد الكهرباء من تركيا أو غيرها قد يسد جزءاً من النقص، لكنه يبقى حلاً مؤقتاً يستهلك أموالاً إضافية من خزينة الدولة، دون أن يضع العراق على طريق الاكتفاء الذاتي. فالمشكلة أعمق من مجرد عجزٍ في التوليد؛ إذ تتعلق المشكلة أيضاً بتهالك شبكات النقل والتوزيع، والفاقد الكبير الذي يصل إلى أكثر من04بالمئة من الإنتاج بسبب الأعطال والتجاوزات.ولتحويل العراق إلى بلد بلا انقطاع كهربائي، يحتاج الى مجموعة حلول ناجعة، منها إصلاح البنية التحتية وتحديث شبكات النقل والتوزيع، والحد من الضائعات والسرقات. وتنويع مصادر الطاقة واستثمار الغاز المصاحب للنفط بدل حرقه في الهواء، والاعتماد على الطاقة الشمسية والرياح في مناطق واسعة من البلاد والشراكة مع القطاع الخاص وفتح المجال أمام الاستثمار المحلي والأجنبي في مشاريع التوليد والتوزيع وحوكمة القطاع ومحاربة الفساد، ووضع خطط استراتيجية بعيدة المدى والاستفادة من مشاريع الربط الكهربائي مع الخليج والأردن وتركيا كخيار داعم وليس بديلاً عن الإنتاج الوطني إن وصول الباخرة التركية قد يخفف من معاناة المواطن لساعات أو أيام، لكن الحل الحقيقي يكمن في بناء منظومة طاقة وطنية حديثة وفاعلة، قادرة على مواكبة الطلب المتزايد وتوفير الكهرباء بشكل مستدام. فالكهرباء ليست رفاهية، بل أساس للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وغيابها يعني بقاء العراق رهينة الأزمات و”الوعود المؤجلة”.