الخطاب الطائفي وسبيل الإرتزاق

كامل الدليمي

حينما يصبح تمزيق الوطن سلعة انتخابية ..

في كل موسم انتخابي بالعراق، تعود الخطابات الطائفية والقومية لتتصدر المشهد السياسي والإعلامي، وكأنها الوصفة السحرية التي يعتقد بعض المرشحين أنها ما زالت قادرة على استدرار الأصوات وتحريك العواطف. لكن ما يغفله هؤلاء، أو يتغافلون عنه عن عمد، هو أن هذه الخطابات لم تجلب لهذا البلد سوى التمزق والدمار والانقسام المجتمعي، وأنها أصبحت اليوم لا تعبّر عن واقع جديد، بل تُمثّل امتداداً لنهج الفشل والخراب الذي طبع الحياة السياسية في العراق منذ 2003.

ثمة فئة من المنتفعين، لا ترى في الانتخابات سوى فرصة للارتزاق، تتاجر بالدين والمذهب والانتماء، وتغذي الكراهية بدلًا من أن تقدم مشروعاً وطنياً شاملاً ينهض بالناس من واقعهم المرير. هذه الفئة لا تعنيها مصلحة البلد، ولا تفكر بمستقبل أجياله، بل تسعى لتكريس انقساماته، وإعادة إنتاج نفس الوجوه التي تستثمر في الفتن وتعيش على فتات التحريض.

والكارثة الأكبر أن هناك من يصفق لهم، إما من منطلق الولاء الأعمى، أو نتيجة الإحباط من تكرار الوعود الكاذبة، أو حتى بدافع الخوف من الآخر المختلف طائفياً أو قومياً، الذي صُوِّر على أنه العدو، لا الشريك في الوطن.

الخطاب الطائفي اليوم لم يعد مجرد رأي سياسي، بل أصبح سلاحاً خطيراً يهدد كيان الدولة العراقية، ويمنع بناء مشروع وطني جامع. ومع كل مرة يُسمح لهذا الخطاب أن يعلو دون مساءلة، نفقد مزيداً من فرص الاستقرار والوحدة، ونزيد من هشاشة النسيج الاجتماعي الذي طالما تميز به العراق عبر تاريخه.

إننا بحاجة إلى وعي شعبي يرفض هذا النوع من الخطاب، وإلى طبقة سياسية تتحلّى بالشجاعة لتضع مصلحة الوطن فوق مصالحها الضيقة. كما أننا بحاجة إلى إعلام وطني لا يفتح أبوابه لمن يتاجرون بدماء الناس، بل يفضحهم، ويعري خطاباتهم التي تسعى إلى حرق البلد مقابل مكاسب زائلة.

لقد آن الأوان لأن ننتقل من دولة المكونات إلى دولة المواطنة، من دولة المحاصصة إلى دولة القانون، من دولة الشعارات الطائفية إلى دولة العدالة والتنمية. فالوطن لا يُبنى على خطاب الكراهية، بل على مشروع يجمع لا يفرق، يعيد ثقة المواطن بوطنه، لا بخندقه الطائفي .