الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الطائفية كخطاب إنتخابي

بواسطة azzaman

الطائفية كخطاب إنتخابي

العلاء صلاح عادل 

 

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية المقررة في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، يعود الجدل حول الخطاب الطائفي ليحتل مساحة مركزية في المشهد السياسي، ليس بوصفه بقايا من مرحلة ما بعد 2003 فحسب، بل كأداة سياسية فاعلة ما تزال تحكم منطق الحملات الانتخابية وتشكّل محددات التحالفات بين القوى المختلفة. وعلى الرغم من مرور أكثر من عقدين على التحول الديمقراطي في العراق، فإن الطائفية لا تزال تمثل أحد أهم محركات السلوك الانتخابي لدى المرشحين والناخبين على حد سواء.

تحالفات سياسية

من خلال متابعة الحملات الإعلامية والبرامج المعلنة للأحزاب والتحالفات السياسية، يتضح أن الهوية الطائفية والمذهبية ما تزال تُستثمر بوصفها وسيلة مضمونة لحشد التأييد الشعبي، في ظل غياب برامج وطنية شاملة تعالج الأزمات البنيوية التي يعاني منها البلد، مثل تدهور الخدمات، واستفحال البطالة، وتراجع دور الدولة في الاقتصاد، واستمرار الفساد الإداري والمالي. وبدلاً من أن يتنافس السياسيون على تقديم حلول واقعية لتلك المشكلات، نراهم يستعيدون لغة “حقوق المكوّن” و“تمثيل الطائفة” و“حماية الهوية”، في تكرارٍ لخطابٍ يكرّس الانقسام الاجتماعي والسياسي.

اللافت في انتخابات 2025 هو تحوّل الخطاب الطائفي من المباشر إلى الرمزي. فالقوائم الشيعية، مثلاً، تتحدث عن “وحدة الصف الداخلي” و“صون البيت الوطني”، في حين ترفع بعض القوى السنية شعارات “رفع التهميش” و“استعادة الدور”، بينما تواصل الأحزاب الكردية المطالبة بمكتسبات سياسية وإدارية ذات طابع مناطقي، تُقدَّم بوصفها حقوقاً “دستورية”. هذا التغيّر في اللغة لا يعني تراجع الطائفية، بل يُظهر تكيّفها مع المرحلة الجديدة، بحيث تتخفّى خلف مفردات أكثر مرونة، لكنها تحمل المضمون نفسه القائم على الهويات الفرعية لا على المواطنة الجامعة.

ويبدو أن هذا التحول في الخطاب يعكس وعياً مزدوجاً لدى النخب السياسية العراقية: فهي تدرك تآكل الثقة الشعبية في الخطابات الطائفية القديمة، لكنها في الوقت نفسه غير قادرة على تجاوزها، لأنها ما تزال تشكّل قاعدة النفوذ والتمويل والتحشيد الانتخابي. وتشير تقارير ميدانية وإعلامية حديثة، من بينها تقارير وكالة رويترز وبعض مراكز الأبحاث العراقية، إلى أن شريحة واسعة من الناخبين باتت تشعر بالإحباط من تكرار الوجوه نفسها والخطابات ذاتها، معتبرين أن الانتخابات المقبلة لن تغيّر المشهد ما دامت البنى الحزبية والطائفية القديمة ما زالت تتحكم في العملية السياسية.

عملية انتخابية

تداعيات هذا الواقع على العملية الانتخابية عميقة وخطيرة. فالخطاب الطائفي لا يعزز فقط الانقسام المجتمعي، بل يعيق نشوء قوى سياسية وطنية عابرة للطوائف، ويكرّس نظام المحاصصة الطائفية في توزيع المناصب والموارد. كما يؤدي إلى إضعاف ثقة المواطن بالدولة، إذ يشعر كثير من العراقيين بأنهم يُعاملون وفق انتماءاتهم المذهبية أو القومية لا كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات. ومع استمرار هذا النمط، تتحول الانتخابات من وسيلة للتداول الديمقراطي إلى آلية لإعادة إنتاج النخبة نفسها وترسيخ بنية السلطة الطائفية.

إن معالجة هذه الأزمة البنيوية تتطلب تحولاً جذرياً في الخطاب السياسي والإعلامي، يقوم على تعزيز مفهوم المواطنة والعدالة الاجتماعية بدلاً من الانتماءات الطائفية والعرقية. كما ينبغي على القوى الجديدة والناشئة – لا سيما تلك التي تمثل فئة الشباب والمجتمع المدني – أن تطرح مشروعاً وطنياً بديلاً يركّز على الخدمات والتنمية والإصلاح الاقتصادي والإدارة الرشيدة، بعيداً عن الاستقطاب الهوياتي الذي أنهك الدولة والمجتمع.

ويمكن القول إن الطائفية في انتخابات 2025 لا تظهر اليوم كشعار معلن كما في المراحل السابقة، لكنها تظل حاضرة في جوهر العملية السياسية، مضمَّنة في اللغة والخطاب والسلوك الحزبي. وإذا لم يجرِ تفكيك هذه البنية واستبدالها بخطابٍ وطني جامع، فإن الانتخابات المقبلة ستبقى إعادة إنتاجٍ لدورة المحاصصة، وتكريساً للطائفية كلغةٍ أولى في السياسة العراقية. أما الخروج من هذا المأزق، فلن يكون ممكناً إلا من خلال إعادة تعريف السياسة بوصفها خدمة عامة لا وسيلة لتقاسم النفوذ بين الطوائف.

 

 

 


مشاهدات 16
الكاتب العلاء صلاح عادل 
أضيف 2025/11/11 - 7:09 PM
آخر تحديث 2025/11/14 - 10:26 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 336 الشهر 9976 الكلي 12571479
الوقت الآن
الجمعة 2025/11/14 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير