لكن شيئاً ما أنكسر

هدير الجبوري

لم  تنتظريوماً أحداً ،كانت تمضي في أيامها كما يمضي الناجون بعد الحريق: بحذر، بصمت لايُرى وبقلب لم يعد يتقن طَرق الأبواب.

 جمعت من الخيبات ما يكفي لبناء حصن داخليّ تخفّت فيه عن الحياة، وظنّت أن الوحدة لم تعد تؤلم حين تعتادها.

لم تكن تطلب الكثير. كانت فقط تريد أن تظل كما وُجدت: روحاً خفيفة، نقية، لا يشوبها زيف وضجيج العالم ولاحتى خيباته.

لكنها، حين تسلّل ذلك الإحساس الغريب إلى أعماقها، أدركت أن ما ظنّته طمأنينة لم يكن إلا هدوء كاذب..

 هدوء هش تبدد  دون ان تعرف كيف ولماذا ،،

 أحساساً ما أربك شيئاً فيها، حرّك سكوناً قديماً لم تظن أنه لا يزال حياً

كانه نافذة تطل على عالم لا تعرفه، ولاتتخيله

  وصوب مكان كانت الضحكات فيه تُستعار بلا خوف

فكيف تستقبله بفهمها البرئ هي التي جاءت من ضفة مثقلة بالحاجة حيث حتى الأحلام الصغيرة تُصادر قبل أن تكتمل ..

لم يكن شعوراً مألوفاً لديها،،  بل نداءً خافتاً من الداخل...

 لم تنتظر معجزة، لكنها آمنت، ببساطة أن من  سيقترب، سيقرأ ملامحها

بلا شرح ولا تفسير.

كانت تأمل فقط أن يراها ذاك العابر فوق حزنها  كما هي دون اي رتوش ،  أن يلمح في عينيها ذلك الحزن القديم، وفي صمتها عمق لم تُجِده الكلمات.

 أن يندهش، لا بها، بل بذلك النقاء الخام الذي يسكنها...

كان عابراً بهدوء يشبه الغياب وشيء يشبه اللامبالاة  وعدم الاكتراث، وهذا هو الموجع في الأمر لأن اللامبالاة، كما علمتها الحياة، أقسى من الرفض ، الرفض فيه نوع من الحسم، أما اللامبالاة، فتتركك معلّقاً بين السؤال واللاجدوى..

كانت تؤمن أن الأرواح تعرف طريقها حين يحين الوقت. وأن الصدفة قد تكون موعداً مؤجلاً بين روحين.

لكنها تراجعت الان عن ذلك الإيمان. فالأرواح قد تتقاطع دون أن تلتقي، والقلوب قد تهمس فلا يُصغى لها.

ولم يتبق سوى سؤالاً يهمس في داخلها :

هل كنتُ وحدي في هذا الحنين؟

أطفأت الشعلة الصغيرة التي ظنّتها بداية الضوء، وابتعدت. لا مرارة في خطوتها، بل هدوء يشبه الفهم. فهي لم تعد تبحث عن دفئ خارجي، بعد أن تعلّمت أن أصدق  النيران واكثرها ثباتاً تلك التي نوقدها لأنفسنا، حين يخفت كل شيء حولنا.