الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الهندرة القضائية.. الادارة الحديثة للدعوى الادارية

بواسطة azzaman

الهندرة القضائية.. الادارة الحديثة للدعوى الادارية

احمد طلال عبد الحميد البدري

 

ينصرف مصطلح (الهندرة) الى كافة العمليات التي تهدف الى اجراء تحسينات جذرية لاجراءات العمل من خلال اعادة تصميمها ولكافة مرافق المنظمة وعلى كل المستويات بما يضمن تحقيق الجودة والسرعة والاقتصاد بالوقت ووفرة الانتاج اي كانت طبيعة عمل المنظمة ، فالهندرة تتضمن تحسينات شاملة مستندة من فهم طبيعة وخصائص وادوات هذه المنظمة او المؤسسة الخاضعة لهذه العملية ، فهي تشمل تطوير جانب الموارد البشرية ، والتشريعات التي تحكم عملها ، وتطوير الاليات والانظمة اللازمة لتحقيق الفائقية والجودة في مخرجاتها ، ظهر هذا المفهوم عام 1990 في المنظمات (الشركات) الانتاجية والتجارية الخاصة بهدف تحسين الانتاج وتقليل تكاليفه واستخدام المكننة والتكنلوجيا الحديثة لتحقيق هذا الغرض ، حيث يعد المهندس الامريكي مايكل هامر هو رائد نظرية الهندرة (اعادة هندسة العمليات الادارية) التي تستند الى التغلب على مصاعب العمل المركب في خضم تضارب الرؤى للقيادات المؤسسية ، وغياب التفكير الاستراتيجي للعمل ، وانعدام الشفافية في اجراءات العمل ، وصعوبة تحديد المسؤوليات ، والتمسك بالمناصب الادارية ، وصعوبة تغيير الادارات المسؤولة التي تعمل وفق مايعرف بالعقل المنفصل او مايسمى بعقلية الصومعة الذي يحييد مبدأ المشاركة في العمل والمسؤولية ، ان هذه المقالة تعد محاولة لتوظيف نظرية الهندرة على مستوى مجلس الدولة باعتباره هيئة قضائية مستقلة ، من خلال اعادة رسم استراتيجات العمل القضائي والتشريعي والاداري ، والسيطرة على ادارة وتدفق الدعاوى الادارية والشفافية والمرونة في العمل والتخلص من قوى الممانعة من التحسينات بما يحق جودة المخرجات القضائية والتشريعية وبما يضمن استقرار الاحكام وتحقيق الامن القضائي  ، والتخلص من بيروقراطية العمل المستقرة وفقاً لمقولة المستقر لايتغير ، وسيتم تناول اهم المعايير لاحداث تغير جذري في سياسات ادارة الدعوى الادارية في محاكم مجلس الدولة العراقي ، والتي من شأنها ان تلزم المجلس بالاستناد في عمله إلى استراتيجيات تتعلق بالعمل القضائي وسائر اختصاصات المجلس الاخرى ، إن الاصلاحات الجذرية في مجلس الدولة تتطلب وجود قواعد وآليات شفافة وواضحة وكفؤة وسريعة قدر الامكان بما يحقق العدالة وهي الهدف من مراجعة كل ذي مصلحة للقضاء الإداري وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال اتباع مجلس الدولة والمحاكم المرتبطة به سياسات وآليات تتعلق بإدارة الدعوى وإدارة الوقت والتخفيف من عبء الدعوى الإدارية مع مدد زمنية مقبولة لحسم الدعوى بما يحقق العدالة ورضا الاطراف المتخاصمة ويمكن تحقيق جودة إدارة الدعوى الإدارية من خلال اتباع السياسات الاتية :

  اولاً : السيطرة القضائية المبكرة للدعوى : وهي مجموعة من الاعمال والآليات والاجراءات التي تقوم بها المحكمة الادارية لمراقبة الدعوى والتحكم في سير الدعوى منذ قيدها وحتى الفصل فيها وما يلي الفصل فيها من الاعمال، وذلك بهدف التأكد من حسن سير العدالة، وهي بذلك تشمل تسجيل الدعوى وقيدها في سجل الدعاوى وتحديد موعد للنظر فيها وتبليغ الاطراف والمرافعات والاثبات وتدقيق الادلة وإصدار الاحكام وتنفيذها، وتشمل أيضاً إدارة الملفات وسجلات المحكمة وحفظها وترتيبها والبيانات والمعلومات وسهولة الوصول اليها من موظفي المحكمة والخصوم والقضاة (المستشارين)، ويعبر عن هذا المفهوم في بعض الأنظمة بادارة تدفق الدعوى، والتي تعني وضع مواعيد محددة لكل فترة من فترات أو مراحل الدعوى، ومراقبة تنفيذ الاجراء المطلوب خلال كل مرحلة وتحديد الاثار الناجمة عن عدم الالتزام .

 ثانياً : تطبيق سياسة الارجحية في نظر الدعاوى الادارية المهمة : هنالك صنف من الدعاوى الادارية المعقدة من الناحية القانونية ومن ناحية الخصوم او كونها تحضى بمتابعة اعلامية وتهم الرأي العام وهذا الصنف من الدعاوي يجب ان يحضى بعناية الادارة القضائية ، حيث انها تقتضي تخصيص مساراً إجرائياً مختلفاً حسب درجة تعقيد كل قضية والوقت الذي يتطلبه فحص ادلتها والمرافعة فيها فقد لا يسعف نظام الإدارة الموحدة للدعاوي السرعة والكفاءة لحسم الدعاوى المعقدة، اذ يمكن تصنيف الدعاوى إلى ثلاث طوائف (بسيطة، نمطية أو متوسطة الصعوبة، معقدة تتطلب تدخل موسع ومستمر من المحكمة)، ويتوقف نجاح برنامج الإدارة التفاضلية على مدى قدرة المحكمة على التقييم المبكر للدعاوى عند تسجيل الدعوى، وهذا يتطلب واقعية في تحديد المواعيد، وتحديد آجال قصيرة، وعدم الاستجابة لطلبات التأجيل بدون عذر اوسبب معقول، واتخاذ الاجراءات المناسبة اتجاه الخصوم ووكلائهم الذين لا يلتزمون بالآجال المحددة ولا بالمتطلبات الاجرائية مع مراجعة مستمرة لمعقولية الاعباء على الخصوم والمحامين فيما يتعلق بالنفقات والخصوم.

ثالثاً : سياسات ادارة جلسات المرافعة وتأجيل الدعاوى: تلعب هذه السياسات دوراً كبيراً في وضع آجال دقيقة أو تقريبية لحسم الدعوى امام القضاء الإداري، من خلال تقليل عدد الدعاوى المؤجلة بدون داع كون هذا الاجراء يحفز الخصوم ووكلائهم على عدم الاستعداد الكامل لحسم الدعوى بسبب توقعهم تأجيل الدعوى من قبل المحكمة كالعادة وهذا من شأنه اطالة أمد النزاع ويؤثر على تحقيق العدالة ويكون مدعاة لمزيد من التأجيلات بسبب تراكم القضايا، وهذا يتطلب من الادارات القضائية لمحاكم مجلس الدولة تبني نظام فعال ينظم الاجراءات اللازمة للسير بالدعوى ضمن آجالها المحددة مسبقاً، وتحقيق السرعة والعدالة في حسم الدعوى، فإنجاز القضايا ضمن مدد قصيرة لا يعني بالضرورة الاخلال بمبدأ العدالة والمساواة أو التأثير على حقوق المتقاضين، كما يوفر ذلك مزية اتاحة الوقت للمحكمة لنظر قضايا اخرى ويحقق قبول المحامين كونه يجعل جدول الدعاوى والآجال المضروبة اكثر توقعاً وهذا من شأنه ان يعزز الثقة بالنظام القضائي وفاعلية الطعن القضائي، ومن ضمن هذه السياسات سياسة تجزئة جلسات المرافعة بحيث تخصص كل جلسة لنظر جانب من الدعوى ، كان يخصص جلسة للمعترض، وجلسة لسماع المعترض عليه وجلسة للادعاء واخرى لتبادل المذكرات، مع أخذ الترتيبات اللازمة بالنسبة للدعاوي الإدارية التي تهم الرأي العام أو يشكل هذا النوع عبء خاصاً على المحكمة يؤثر على الجدول اليومي لنظر الدعاوى.

رابعاً: صيانة حق الدفاع : في الدعاوى الادارية عادة مايكون خصم الادارة هو الطرف الاضعف في الخصومة كون الادارة هي من تملك الوثائق والمخاطبات والاوليات التي قد يكون بعضها دليل لاثبات دعوى من يخاصم الادارة ، ولذلك ينتقل عبء الاثبات الى الادارة خلافاً لقاعدة الاثبات الراسخة ( البينة على المدعي واليمين على من انكر) ، وهنا قد تلجأ الادارة بصفتها مدع عليها الى المماطلة او اخفاء الوثائق التي قد تدينها ، وهذا يتطلب من المحاكم الادارية فسح المجال لخصم الادارة في تقديم دفوعه واستيفاء حق الدفاع ، وعدم ترجيح سرعة الحسم او زخم الدعوى على استيفاء متطلبات الدفاع ، اذا كثيراً ما نلاحظ في الواقع العملي ميل الهيئات القضائية لمجلس الدولة ونقصد بها محكمة القضاء الاداري ومحكمة قضاء الموظفين الى مقاطعه المدعي اثناء المرافعة او عدم الاستجابة لطلباته بحجة ضيق الوقت وزخم الدعاوي ، وفي احيان اخرى فسح المجال والتسهيلات لممثل بعض الادارات المهمة على حساب خصمها مما يزيد من فجوه عدم التوازن بين طرفي الخصومة الادارية ، وهذا يتطلب اعادة النظر في سياسيات نظر الدعاوى الاداري وتحقيق التوازن بين طرفي الخصومة الادارية ووفقاً لطبيعتها ، لتحقيق الرضا والقناعة بالاحكام الادارية حتى من قبل الطرف الخاسر .

    لما تقدم ندعو مجلس الدولة العراقي الى اعتماد السياسيات القضائية اعلاه لتحقيق ادارة حديثة للدعوى الادارية ووضع ضوابط وقيود صارمة في حال الاخلال بها لضمان تحقيق العدالة الادارية ومن الله التوفيق .

 


مشاهدات 99
الكاتب احمد طلال عبد الحميد البدري
أضيف 2025/07/15 - 3:19 PM
آخر تحديث 2025/07/16 - 5:30 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 157 الشهر 9913 الكلي 11163525
الوقت الآن
الأربعاء 2025/7/16 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير