ديماس.. صرخة من قعر النسيان
رواية شوقي كريم حسن الصادمة تعود إلى الضوء بعد أربعة عقود
في لحظة من العتمة الوجودية، وفي رُكنٍ قصيّ من سجنٍ ينكر الحياة، كتب شوقي كريم حسن روايته “ديماس” سنة 1984، داخل أحد أكثر السجون العراقية غرابة، في منطقة السيد صادق، حيث تُدفن الأرواح قبل أن تموت، ويُحاصَر الأمل بقيود الخوف والموت.“ديماس” ليست مجرد رواية عن السجن، بل هي سردية مواجهة كبرى بين الإنسان وجدران الصمت، بين الأمل المقيد والحرية المسلوبة، بين الصوت المختنق والموت الزاحف على مدار الزمن. تدور أحداثها في سجن أسطوري بناه الحجاج بن يوسف الثقفي، سجن بلا جدران، بلا سقف، حيث يعيش المسجونون في العراء، وتذوب الحدود بين ليلٍ لا ينتهي ونهارٍ بلا ملامح.الرواية تنبض بجراح التجربة، وتُصوّر الواقع المرّ بعين من عاشه، لا من تخيّله. إنها نصّ احتجاجي، إنساني، فني، كتبه صاحبه في أقسى الظروف، وها هو يخرج إلى النور بعد أكثر من أربعين عامًا، بإشراف السارد عبد الرضا الحميد، وضمن إصدارات الدار العربية لسنة 2025.
“ديماس” رواية الذين لم يُكتب عنهم، الذين صرخوا خلف الجدران، وما سُمعت أصواتهم، هي شهادة من عمق الجرح العراقي، تُذكّرنا أن لكل معتقل حكاية، ولكل جدار ذاكرة، وإن لم تُكتب بعد.“ديماس” ليست رواية تُقرأ للمتعة العابرة، بل تجربة وجودية مروعة، تخوضها مع الكاتب خطوةً بخطوة، حين يتحول السجن إلى وطن، والجدار إلى صديق، والصمت إلى لغة مفهومة، وذكرى التعذيب إلى ما يشبه الحنين. نصٌّ يكشف ما لا يُكشف، يحفر في الذاكرة الوطنية، ويعيد بناء زمنٍ منسيٍّ كانت فيه الكلمة تُعادل طلقة، والفكرة جريمة، والتنفس بشرف عصيانًا لا يُغتفر. في قلب هذا الجحيم، تخرج شخصيات الرواية من العتمة، تقاوم بضعفها، وتنهض برغم كسرها، حتى في اللحظات التي تبدو فيها بلا ظلال.“ديماس” ليست صرخة، بل نشيد للمُعذّبين، لوحات متداخلة من القهر اليومي، ترسمها يد كاتب عركته التجربة لا الخيال، وكتب بالدم والذاكرة ما لا تستطيع نظريات السرد ولا مناهج النقد الإحاطة به. فيها كل ما يجعل الأدب شهادة حقيقية على عصر دمويّ لا تزال ارتداداته تفتك بنا حتى اليوم.اللغة في الرواية لا تستجدي الشفقة، ولا تتوسّل التأويل، بل تقف صلبة، صارخة، تختزن مرارات السنين، وتعيد ترتيب المشهد الإنساني من جديد. ستجد فيها روح السجين، لكنه ليس سجين القيد فقط، بل سجين الفكرة، الوطن، الذاكرة، والخذلان.“ديماس” رواية عن جدران لا ترى، وأبواب لا تُغلق، وعن حريةٍ نادرةٍ تولد وسط الموت.
سيكون إصدار هذه الرواية حدثًا ثقافيًا هامًا، لأنها تفتح ملفًا منسيًّا، وتستعيد صوتًا طُمِسَ طويلًا، وتضع أمام القارئ مرآة لما حدث وما يحدث، دون تزييف أو تبرير.