القيادة الفاعلة وصناعة التحول
حكومة الإقليم نموذج لإرادة الإصلاح والتنمية
زيد البيدر
يعد من ضرب الخيال الحديث عن الاستقرار السياسي والأمني والتنمية الاقتصادية في بيئة اقليمية مثقلة بالأزمات الحادة، والمحاور المتعددة، والصراعات المفتوحة، لا سيما أن التجاذبات غالبًا ما تذيب القادة في بحر الصراعات، دافعة بشعوبهم نحو عين الإعصار.
ومع ذلك فقد استطاعت بعض التجارب السياسية الخروج عن هذه القاعدة، مقدّمة لنا نماذج عملية تثبت أن القيادة الفاعلة، المقترنة بالإرادة والعزيمة والمصداقية، قادرة على إحداث التغيير والنجاح، بغض النظر عن هشاشة البيئة وتعقيداتها وأزماتها.
فعند تأمل تجربة إقليم كوردستان في ظل حكومة السيد مسرور برزاني، وكيفية حجزه لمكان بارز في قصص الازدهار والتنمية، ندرك أن التنمية لا تقترن دائمًا بوفرة الموارد، بل هي في الأساس القدرة على التوظيف الصحيح لما هو متاح، حتى وإن كان محدودًا. فالنجاح في الدول الغنية لا يعد استثنائيًا، لكن نجاح القادة في اختيار المسار الصحيح في بيئة اقليمية مضطربة وذات موارد محدودة، يعد نموذجًا يحتذى به، بل ونموذجا يثير الإعجاب.
عملية تكاملية
ما يميز إقليم كوردستان أن السياسة لا تمارس فيه بأسلوب الكسر، بل من خلال عملية تكاملية، وهو ما يجعل الواقع السياسي أقل صخبًا وأكثر نضجًا، فالحكومات تتغير، وتتبدل الوجوه، لكن المبادئ تبقى ثابتة، والتنمية والازدهار يتقدمان بتدرج، لا توجد تصفية حسابات ولا قطيعة مع الماضي، بل هناك سلاسة في الانتقال وتكامل في العمل والأدوار.
وتتجلى سياسة التكامل وتدرج العمل والتنمية في حكومة السيد مسرور برزاني، من خلال المشاريع الاقتصادية الاستراتيجية والتوسع في البنى التحتية، التي تكشف عن قيادة تولت التحول، واتخذت مسارًا ثابتًا في البناء، لا تلتفت فيه إلى الماضي إلا لغرض التكامل والبناء عليه، ومواصلة مسيرة الإصلاح والتقدم، للوصول بالإقليم إلى مصاف التطور والازدهار، وهو ما جعل من إقليم كوردستان مثالًا للفخر والاعتزاز، ليس لشعب كوردستان فحسب، بل للعراق والعراقيين كافة.
ورغم التحديات الاقتصادية والضغوط الداخلية والخارجية التي اقترنت بتولي السيد مسرور برزاني للحكومة، فضلًا عن الأوضاع الإقليمية المضطربة، إلا أنه لم يختر مسار الشعارات والوعود، بل جعل العمل والنجاح يتحدثان عنه، فاستمر في طريق الإصلاح بخطوات محسوبة، واضعًا استراتيجية تهدف إلى الاعتماد على الذات في تحسين البنى التحتية، لا سيما في ملفي المياه والكهرباء، وهما من الملفات المعقدة، لاسيما في ظل التغير المناخي والجفاف الذي أصاب الإقليم، إلى جانب الزيادة في الطلب على الطاقة، وقيام الحكومة المركزية بإيقاف التخصيصات المالية المقررة لحكومة الإقليم.ومع ذلك تجاوزت الاستراتيجية التي اعتمدتها حكومة السيد مسرور برزاني الحلول المؤقتة، واتجهت نحو مسار الاستدامة، فشهد الإقليم ولادة مشاريع كبرى أنهت أزمتي المياه والكهرباء، وهي أزمات عجزت الحكومة المركزية عن معالجتها، رغم تخصيص مبالغ مالية ضخمة لها منذ عام 2003.
مشكلات عالقة
لقد حققت حكومة إقليم كوردستان تحولًا كبيرًا في مجال الإصلاح والتنمية، من خلال إغلاق ملفات ظلت لسنوات طويلة تمثّل مشكلات عالقة، لا سيما في الكهرباء والماء، وتطوير البنية التحتية، وتحقيق نهضة عمرانية وخدمية تنافس عواصم ومدن العالم المتقدم، ما جعل الإقليم وجهة عالمية للسياحة والاستثمار، كما أُنجزت إصلاحات بارزة في الجانبين المالي والإداري، قلّلت من خلالها الهدر وعززت مسار التنمية والتطور، فضلًا عن الاستراتيجية الأمنية التي حافظت على أمن الإقليم في ظل محيط أمني مضطرب.