مواجهة الحصار المائي على العراق
علي العزي
يعيش العراق منذ سنوات تحت حصار مائي خانق فرضته سياسات تركيا وإيران، حيث تحوّلت منابع الأنهار إلى أدوات ضغط جيوسياسي تُقطع أو تُحجب مياهها عن بلاد الرافدين كلما اقتضت المصالح الإقليمية.
لقد بات الاعتماد على الجارتين لإطلاق المياه رهانًا خاسرًا، خصوصًا في ظل مشاريع السدود العملاقة التي لم تعد تعير أي اهتمام لحصص العراق التاريخية أو الإنسانية.
ونظرا لعدم جدوى الحلول السياسية والدبلوماسية ، يبرز أمام العراق طريق آخر لا يمر عبر أنقرة أو طهران، بل عبر بوابات التكنولوجيا الحديثة التي قد تساهم بشكل كبير في تعزيز رصيده المائي الشبه مفقود.
أمطار بالحث الكهربائي
خلال السنوات الأخيرة، نجحت فرق علمية بريطانية، بالتعاون مع دول خليجية، في تطوير تقنية حديثة لتحفيز هطول الأمطار عبر الحث الكهربائي للسحب، دون الحاجة إلى المواد الكيميائية التقليدية التي قد تضر بالبيئة.
تعتمد هذه التقنية على إطلاق شحنات كهربائية دقيقة عبر طائرات مسيّرة أو أبراج ثابتة لتحفيز قطرات الماء الصغيرة في السحب على الاندماج والتكاثف، مما يؤدي إلى هطول أمطار طبيعية خلال فترة قصيرة.
وعلى عكس الاستمطار الكيميائي التقليدي، فإن هذه الطريقة أكثر دقة وأقل تكلفة وأثرًا بيئيًا، وقد أثبتت نجاحها في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة.
في العراق، يمكن لهذه التكنولوجيا أن تُحدث فرقًا حقيقيًا، خاصة في المناطق الشمالية والغربية، حيث تمر سحب رطبة شتاءً وربيعًا لكنها أحيانًا لا تمطر بسبب ضعف التكاثف. باستخدام هذه التقنية، يستطيع العراق إحياء جزء من أراضيه العطشى بعيدًا عن التحكم التعسفي بمصادر مياهه.
الخلايا الشمسية العائمة
يخسر العراق سنويًا كميات هائلة من المياه بسبب التبخر، خاصة في أشهر الصيف القائظة، حيث تفقد الأنهار والبحيرات عشرات الملايين من الأمتار المكعبة من المياه.
ولمواجهة هذه الخسارة، يكمن الحل في نشر ألواح شمسية عائمة فوق المسطحات المائية. هذه الألواح لا تكتفي بإنتاج الكهرباء النظيفة التي يحتاجها العراق بشدة، بل تعمل أيضًا كغطاء يحجب أشعة الشمس المباشرة عن سطح الماء، مما يقلل من معدل التبخر بشكل ملحوظ.
دول مثل الهند وفرنسا وسنغافورة سبقت العراق إلى اعتماد هذه الآلية الناجعة لتقليل من التبخر الحاصل في مواردها المائية.
معالجة مياه الصرف الصحي
يهدر العراق يوميًا ملايين الأمتار المكعبة من مياه الصرف الصحي التي تُصرف في الأنهار دون معالجة.
في الدول المتقدمة، تُعاد معالجة هذه المياه لتستخدم في الري الزراعي، الصناعة و تغذية المسطحات المائية في أوقات الجفاف.
يمكن للعراق بناء محطات معالجة حديثة في بغداد والبصرة والموصل، لتحويل مياه الصرف الصحي من عبء بيئي إلى مورد مائي استراتيجي، يقلل من اعتماد البلاد على الميــاه الطبــــيعية التي تتلاشى يـــومًا بعـــد يــــوم.
يمكن لهذه الحلول الثلاثة مجتمعة أن تُعزز من الأمن المائي للعراق بنسبة كبيرة، وتقلل من حجم التأثير الخارجي علــــى مصير مـــوارده المائية.
لم تعد القضية اليوم متعلقة فقط بالمفاوضات العقيمة أو الوعود المؤجلة، بل أصبحت معركة وجودية تتطلب من العراق أن يتحرك علميًا وتكنولوجيًا، ليأخذ مصيره بيده بدلًا من أن ينتظر قطرة ماء تأتيه من خلف الحدود الوعرة.
العراق محاصر مائيًا، نعم. لكنه قادر على كسر هذا الحصار، ليس بالاستسلام ولا بالتصعيد غير المجدي، بل بالعلم، والاستثمار في التكنولوجيا، وبالإرادة الوطنية الحقيقية.
إن ثروة العراق المائية لن تعود عبر الوعود التركية أو الإيرانية، بل عبر قرارات عراقية شجاعة تستثمر في المستقبل لإنقاذ إرث الحضارات الخالدة.