الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ما بين الصرخة والصمت

بواسطة azzaman

ما بين الصرخة والصمت

نهلة الدراجي

 

رغم التطور العلمي والانفتاح الثقافي، مازلنا نُخفق في تجاوز الحواجز التي صنعناها بأيدينا، حواجز الدين، واللون، واللغة، والانتماء

وكأننا، كلما اقتربنا من بعضنا ظاهرياً، ابتعدنا روحياً، فنزرع الشك بدل الثقة، والتمييز بدل التفاهم، والتعالي بدل التراحم

وفي غمرة هذا الضجيج، إلى متى نكفّ عن قياس الإنسان بما ليس فيه، ونراه بما هو عليه فعلاً؟

لو افترضنا أن العالم استيقظ ذات صباح على مشهدٍ موحّد؛ لا لغة تميّز، ولا لون يفرّق، ولا عقيدة تُفرّق بيننا، فهل كانت قلوبنا لتكفّ عن بناء الأسوار؟ 

الواقع يُجيبنا بصوتٍ خافت، لكنه حادّ: التمييز ليس في الاختلاف، بل في العجز عن تجاوزه

منذ فجر التاريخ، وُلد الإنسان باكياً، لا فرق بين صرخة طفل أبيض وآخر أسود، يموت الإنسان صامتاً، ويُدفن تحت التراب ذاته،  لكن بين هاتين اللحظتين، لحظة البكاء الأولى، ولحظة الصمت الأخيرة، تتشكّل الحكاية التي نكتبها نحن، أو نشوّهها

كم من كلمة أو نظرةٍ أطلقت حكماً بالإعدام المعنوي على آخر لأنه مختلف؟ 

وكم من جرحٍ عميق، لم يلتئم، لأنه خُتم بختم «نحن» و»هم»؟ 

نحن نتوارث التمييز كما نتوارث اللغة نعلمها لأطفالنا نُحذّرهم من «الآخر»، دون أن نُتعب أنفسنا بمحاولة فهمه. وكأننا لا ندرك أن ذلك «الآخر» هو، ببساطة، إنسان... آخر.

لماذا نُصرّ على أن نُقسّم الأرض، ونُجزّئ الإنسانية، ونُقيم الحواجز التي تفصل الروح عن الروح؟

نحن بحاجة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى أن نُعيد تعريف «الإنسانية»… لا كشعار يُرفع فقط، بل كقيمة تُمارس في الشارع، في المدرسة، في البيت، في نظرة العابرين، في تعاملاتنا اليومية

نحن بحاجة إلى أن نُربّي أبناءنا على أن الإنسان لا يُقاس بما يملك، ولا بما يعتقد، ولا بما يرتدي، بل بما يقدّمه من حب، وما يتركه من أثر، وما يزرعه من سلام.

إن الإنسانية لا تُقاس بالمظاهر، بل بمقدار ما نكفّ عن إيذاء الآخر… بمقدار ما نفتح قلوبنا قبل أيدينا… بمقدار ما نرى الإنسان في ملامح من نختلف معهم، ونشعر بألمهم، ونؤمن بحقهم في الحياة الكريمة.

لنكون صوتًا للسلام لنحتضن اختلافاتنا بدلاً من أن نرفضها. و لنضع أيدينا في أيدي بعضنا، ولنترك أثرًا إيجابيًا خلفنا. ففي النهاية، نولد باكين، ونُدفن صامتين... 

لكن ما بين الصرخة الأولى والصمت الأخير، تبقى لدينا فرصة لنكون بشراً. حقّاً.

 

 


مشاهدات 64
الكاتب نهلة الدراجي
أضيف 2025/07/06 - 2:47 PM
آخر تحديث 2025/07/07 - 6:06 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 546 الشهر 3985 الكلي 11157597
الوقت الآن
الإثنين 2025/7/7 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير