الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الشعر الشعبي..ندّابة المازوشيا الممتعة


الشعر الشعبي..ندّابة المازوشيا الممتعة

قاسم حسين صالح

 

بداية ،أنا أحب الشعر الشعبي، ونظمته وأنا بمرحلة المراهقة، لأنني نشأت في “ ديوان عرب “ بقرية جنوبية. وقدمت في السبعينيات برنامجا إذاعيا عن الشعر الشعبي،وألّفت خمس أغان بأصوات مطربين معروفين.

 أقول هذا حتى لا يقول عني من استفزه العنوان أنني أبن مدينة أو “ حداثوي “ ، إنما أتمنى عليهم “ الشعراء الشعبيين “ أن يفكروا فيما أقول بشفافية. ولا يعنيني هنا البحث عن أسباب أو مبررات “ الحزن ومشتقاته “ في الشعر الشعبي ، الناجمة عن ثلاثية ظلم “ الإقطاع والسلطة والطبيعة “ ، إنما أتحدث عن التأثير الذي يحدثه هذا اللون من الشعر الجماهيري ، ليس فقط في نوعية مزاج الإنسان وسلوكه، بل حتى في تشكيل منظوره للحياة والحب. فما يفعله الشعر الشعبي “ قصيدة ، أغنية ..” يشبه ما تفعله المدرسة في تشكيل تفكير الطلبة وشخصياتهم . سنكتفي في هذه المقالة بالتقاط صفة مازوشية واحدة أشاعها الشعر الشعبي بين الناس فأقول ، انه لمن المعقول أن يتباهى الإنسان بما يملكه من مال أو أملاك أو أولاد أو جاه أو حظ ...أما أن نتباهى بأيّنا أكثر حزنا ، فتلك بالتأكيد حالة مرضية .

افدح مصيبة

والشائع أنه ما أن يحضر شاعران شعبيان في ندوة أو مقابلة فضائية حتى تراهما يتباريان “ بالدارمي “ بما هو أوجع حزنا وأفدح مصيبة . ومؤشر أخطر نفسيا ، أن تقويم الناس لهذا الشاعر أو ذاك قائم على أساس هذا المعيار “ المازوشي !”.ولهذا تجد العراقيين – وأنا وأنت منهم – ما أن يسألنا أحد عن أحوالنا حتى نجيبه بما غنّاه رياض أحمد : “ تسألني عن الحال ، حالي على حاله..سمجه وشحيح الماي ، وبظهري فاله “. أما اذا شكا أحدهم حاله لنا فاننا نردّ عليه قبل أن يكمل: “ يا أخي أنت زين ..لكن آني .. “ وتروح تروي له مصائبك بتراجيديا حسينية !.

وصار حالنا في التباهي بالحزن كحال تلك المرأة التي ذهبت الى صديقتها تشكو همومها، فقالت:

 “ ما تدري بيّ الناس، العلّة خفية.. بالكلب سبع أزروف ويلاه يخيه “ أي : إن الناس لها الظاهر ياأخيتي ولا تدري بأن الهموم أحدثت سبعة ثقوب بقلبي.

وكان المفروض بصديقتها أن تواسيها وتهوّن عليها الأمور. لكنها أجابتها بالدارمي أيضا : “ نيالك بدنياك بس سبعة أزروف ..الكلب منخل صار بيه العمى يشوف “. أي : سعيدة أنت اذا كان بقلبك سبعة ثقوب فقط ، فقلبي صار منخلا يرى من خلاله حتى الأعمى !. وهذا ما صار شائعا بيننا...التباهي بأحزاننا. وربما أن الله خصّنا بالزيادة منها أكثر من باقي البشر، لأننا نحبها!.

 وثمة معلومة علمية هي أن البحوث الحديثة أشارت الى أن فاعلية الدماغ تتراجع عندما يتعرض الفرد الى انفعال الحزن. وأن الضغوط المصحوبة بالتهديد تؤثر بشكل خطـــــــر في كيمـــــيائية الدماغ.

ولخمسة واربعين سنة العراقي “ يدق ويلطم “ والشعر الشعبي يتولّى دور “ الندّابه “ المفوّهة البارعة التي تؤجج الحزن بمتعة صار التلذذ به وبها مزاجا عاما ، لاسيما بين عشرين مليونا من الشباب “ أبناء الحروب الأربع!” الذين لم يعرفوا الفرح في حياتهم.والمفارقة أن أبرز ثلاثة  في الشعر الشعبي.. أعني ابن قلعة سكر الصديق  “ عريان السيد خلف(1940-2018) وكاظم إسماعيل الكاطع وناظم السماوي “ هم تقدميون ، لكنهم – ومعهم كل الشعراء الشعبيين – أشاعوا بين الناس عكس ما يبشر به الفكر التقدمي!

ما يشبه النكتة!

 من طريف ما حصل أن  المحافظات الجنوبية كانت تقام فيها مهرجانات قطرية للشعر الشعبي منذ عام 1969 وحتى تم منع الشعر الشعبي عام 1973 بحجة الحفاظ على سلامة اللغة العربية!

 مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 


مشاهدات 76
الكاتب قاسم حسين صالح
أضيف 2025/06/28 - 12:06 AM
آخر تحديث 2025/06/28 - 6:06 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 164 الشهر 17191 الكلي 11151845
الوقت الآن
السبت 2025/6/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير