التكتيك الإعلامي في الحرب
فاضل البدراني
في دراسة ليوميات الحرب الدائرة بين إيران والكيان الإسرائيلي من زاوية رصد الخطاب الإعلامي يصادفنا سلوكا إعلاميا فاعلا يشكل واحدا من أبرز الدروس التي تستحق التعمق في تفكيك شفرته وفهم طبيعة التناول الإعلامي على مستوى القنوات والاذاعات والصحف في إسرائيل، الأمر الذي ينبغي إعادة قراءة الأدبيات الإعلامية التي وظفت في الحروف التي وقعت بين البلدان العربية والكيان في حروب 1948 و 1967 و1973 وحتى القصف الصاروخي العراقي ضد العمق الإسرائيلي 1991وحرب غزة وصولا الى الحرب الدائرة بالوقت الحاضر 2025 مع ايران.
أساليب وسلوكيات
لذا ينبغي دراسة دلالات هذا الخطاب الإعلامي والسيكولوجيا المعتمدة فيه، إذ يعطي بعض المتابعين وفق قراءات مغايرة للواقع ويقعون في وهم التضليل ضمن أساليب وسلوكيات تربح من خلفها كثيرا من المكاسب وهي بطبيعة الحال تسير ضمن ثنائية خطاب، الشق المعلن منه إعلامي بلغة تشترك مع لغة الاعلام الآخر، بينما يستند الشق الأخر منه على جانب باطني (خفي) يطرح رسائل للرأي العام ويركز فيه على رأي طرف داعم عسكريا و متعاطف سياسيا، بحيث يبرز جانب الضعف والتباكي من هجمات الطرف الآخر وأكثر ما يركز عليه حجم الخسائر البشرية، ويوزع صورا من زوايا عدة لفعل تدميري من قصف جوي أو صاروخي مع إبراز حالة الرعب التي يظهر بها السكان المدنيين في إطار تكتيك إعلامي ذكي.
في الحرب الدائرة حاليا بين إيران والكيان، فالفضائيات والاذاعات بث في جسدها روح جديدة أكثر يقظة أنعشتها مقذوفات الصواريخ التي تتقاذفها منصات إطلاق الصواريخ في الدولتين المتصارعتين، وكذلك حجم الدمار الذي خلفته الى جانب حدة التصريحات التي علت في بعض الأحيان مديات الصواريخ والفضاء الجوي للطيران الغائر، والإعلام والتصريحات للمسؤولين الإسرائيليين ومانشيتات الفضائيات والصحف وقراءها في الإذاعات في غالب الأحيان يركزون على حجم التأثير للصواريخ الإيرانية ووقعها على السكان المدنيين، ومن المؤكد أن حركة الصحافة والإعلام هناك على ما يبدو تقاد من قبل مسؤولين معنيين بالترميز الإعلامي والوصول الى أماكن القصف وربطها بالسكان المدنيين وإظهار عويلهم ومخاوفهم عبر أصوات ملتقطة، أو توثيق بالكاميرا، ودون أن نشاهد لقطة واحدة في إعلامهم أو متابعته عبر إذاعاتهم تخص شأن السكان المدنيين في العمق الإيراني، حيث يتركز الحديث واللقطة والمانشيت على المنشآت العسكرية والسلاح النووي والبالستي، بينما يتجه الإعلام الإيراني بأسلوب خطابي مغاير هو ذات السياق الذي سار ويسير عليه الخطاب الإعلامي العربي في الحروب التي مرت والذي يتصف بصبغة عاطفية وتصريحات ثأرية، ويمارس أسلوب البحث عن انتصار أحادي « الانتصار الأحادي العاطفي» بلغة مجردة من التحليل العميق أو التفكير لما بعد الحدث، ويتجرد عن آليات علم النفس الإعلامي الذي يغور فيه الخطاب الإعلامي في أعماق ودهاليز تبحث عن انتصار آخر يرادف ما تحققه آلة المدفع أو الطائرة والصاروخ، هو السلاح النفسي وكسب الولاء العاطفي من مصادر القوة الكبرى الساندة أو القوى الحاسمة، وهو الإنجاز الذي يطلق عليه « الانتصار المركب « كما هي صورة الخطاب الإعلامي التابع للكيان الإسرائيلي.
صواريخ ايرانية
وبعيدا عن تحديد الطرف المتفوق عسكريا في هذه الحرب الدائرة كونه ليس مجال حديثنا، فأن العالم يتابع ويتفرج يوميا على الصورة المنقولة عن الجانبين المتخاصمين، إذ واكبت الفضائيات وعبر ما يعمد عليه مسؤولين في إدارة مؤسسات الإعلام في الكيان أن تكون مناطق سقوط الصواريخ الإيرانية في شوارع مدنهم بين الناس وعلى بيوت السكان المدنيين وعلى مبان من وزارات وقطاعات حيوية مدنية، وأيضا بعض منها في أماكن خالية ضمن أجندة يقصدها، يرافق ذلك تغييب تام عن أية أهداف عسكرية قد هوجمت وهو أيضا اتجاه مقصود، وربما لا تكون هذه الصورة الحقيقية، أو قد يتم تغييب كثيرا منها عن الرأي العام، في حين ما تعكسه الصورة الإعلامية في الجانب الايراني هو غياب التوجيه والمتابعة للقطة الإعلامية أو لقطة الحدث العسكري بالمقارنة، سوى ما نسمع من خطابات عاطفية وردود فعل متشنجة، بل ويترك المجال للجانب الإسرائيلي في التعليق على أعمدة الدخان في العمق الإيراني على أنها مناطق عسكرية استهدفت وذا تأثير خطير على أمنهم والأمن القومي للولايات المتحدة والغرب وبلدان منطقة الشرق الأوسط.
أن إدارة خطاب الإعلام سياسيا وأمنيا للكيان الإسرائيلي هو خطاب مكرر وأكثر تمرسا، ويعكس أرثا إعلاميا لماضي أعتدنا عليه في الحروب مع العرب في العقود السبع الماضية، وبالمقابل فأن كثيرا ما سمعنا العرب يهددون بحرق الكيان الإسرائيلي أو القائهم في البحر، وهو ما يجعل ذلك مادة إعلامية لشيطنة الموضوع وتشويه سمعة العرب على أنهم دمويون وحشيون» وحشية مزعومة»، مقابل إخفاء وحشية حقيقية لهم أكثر خطرا وإظهار وجه نعامة مسالمة مستهدفة.
أكاديمي وإعلامي