الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الدبلوماسية في مواجهة الصواريخ

بواسطة azzaman

الدبلوماسية في مواجهة الصواريخ

فراس الغضبان الحمداني

 

تتسم العلاقة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية منذ قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام 1979 بطابع معقّد يتراوح بين التصعيد والتفاوض وبين التهديدات المتبادلة ومساعي التهدئة ، مما يجعل العلاقة بين الطرفين نموذجًا كلاسيكيًا لصراع غير مباشر يجمع بين أدوات الدبلوماسية ومظاهر الردع العسكري .من جهة تسعى إيران إلى تأكيد مكانتها الإقليمية وتعزيز نفوذها من خلال خطاب سياسي يستند إلى مفاهيم السيادة والإستقلال ورفض الهيمنة ، ومن جهة أخرى، توظف الولايات المتحدة نفوذها العسكري والإقتصادي لإحتواء ما تعتبره “سلوكًا مزعزعًا للإستقرار” في المنطقة. وضمن هذا السياق تبدو الدبلوماسية الإيرانية وكأنها تقف في مواجهة مباشرة مع أدوات الردع الأمريكية سواء تجلّت في العقوبات الإقتصادية أو في التلويح بالقوة أو في إستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة . تعتمد إيران على دبلوماسية براغماتية قائمة على المناورة وتعدد قنوات التواصل وتستند في ذلك إلى مزيج من الخطاب الثوري من جهة والإنفتاح على التفاوض من جهة أخرى .وقد بدأ هذا واضحًا خلال مفاوضات الإتفاق النووي التي أظهرت قدرة طهران على التفاوض الصعب مع الحفاظ على خطوط حمراء واضحة تتعلق بالسيادة الوطنية والحقوق التكنولوجية . في المقابل تنتهج الولايات المتحدة سياسة مزدوجة تجمع بين الحوار والضغط فهي تعود إلى طاولة المفاوضات عندما تقتضي الظروف لكنها لا تتردد في إستخدام العقوبات كأداة خنق إقتصادي أو اللجوء إلى القوة عند الضرورة كما حصل في عملية إغتيال قاسم سليماني عام 2020 أو في ضربات محددة في سوريا والعراق ردًا على تحركات جماعات مدعومة من طهران .

ورغم الفجوة الواضحة في موازين القوى العسكرية بين الطرفين فإن طهران إستطاعت أن تخلق ما يشبه “توازنًا بالحد الأدنى” عبر أدواتها غير التقليدية مثل برامج الصواريخ الباليستية وقدرتها على التأثير عبر حلفائها الإقليميين هذا التوازن الهش لا يمنح إيران تفوقًا لكنه يحدّ من حرية واشنطن في إستخدام القوة دون حساب للتبعات السياسية والعسكرية في المنطقة . وفي خضم هذا التعقيد تبدو الدبلوماسية الإيرانية أداة للبقاء والمراوغة بينما تمثّل القوة العسكرية الأمريكية أداة للردع والتذكير بالتفوق وكلما تراجعت فرص التفاهم إقترب الطرفان من حافة التصعيد ليعودا بعدها إلى طاولة التفاوض في دورة متكررة من الشد والجذب . المشهد إذًا ليس صراعًا بين دبلوماسية وسلاح فحسب بل هو نموذج لصراع إرادات تتداخل فيه إعتبارات الأمن والمصالح والرمزية السياسية .      

وبينما تراهن طهران على عامل الزمن وتبدّل الإدارات الأمريكية وتغيّر الأولويات الدولية تراهن واشنطن على إستنزاف خصمها إقتصاديًا وسياسيًا حتى القبول بشروط جديدة .

 


مشاهدات 52
الكاتب فراس الغضبان الحمداني
أضيف 2025/06/25 - 3:03 PM
آخر تحديث 2025/06/26 - 4:20 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 405 الشهر 16379 الكلي 11151033
الوقت الآن
الخميس 2025/6/26 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير