الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
رواد منسيّون بشّروا بمشروعنا القومي

بواسطة azzaman

أذن وعين

رواد منسيّون بشّروا بمشروعنا القومي

عبد اللطيف السعدون

 

تتملكني خيبة الأمل وأنا أقرأ ملفات عتيقة عن عرب كان عندهم انشغال مبكر بالعروبة، نشطوا أواخر الحقبة العثمانية، وانتظموا في أكثر من مؤتمر وتجمع ليتوافقوا على هويتهم الواحدة حيث جمعتهم وحدة أمة، ووحدة لغة، ووحدة عنصر، ووحدة تاريخ، ووحدة عادات، ووحدة مطمح سياسي، وهذا ما ثبتوه في مؤتمرهم الأول الذي شهدته مدينة باريس في مثل هذه الأيام من عام 2013، ولم يهضموا التمييز الذي كان ماثلا ضدهم لأنهم عرب، وفي حسابات التاريخ الحديث يمثل أولئك الرواد ما يمكن أن نعتبره أولى ارهاصات لنهوض عربي جاء لاحقا، وطروحات مبكرة لما اجتهده آخرون عندما حاولوا صياغة مشروع قومي حمل الأفكار الأولى نفسها معبرا عن تطلعات أمة وطموحاتها. أظن أن استذكار أولئك الأوائل والاحتفاء بهم يصبح واجبا على أناس مثلنا آمنوا بهوية عربية موحدة (بكسر الحاء)، وعملوا في حركات وتنظيمات كانت امتدادا عمليا لتلك المؤتمرات والتجمعات، ودافعوا عن تجارب رأوا فيها بعض الأمل، وجاهدوا لأن يتحقق شيء مما آمنوا به وعملوا له، لكنهم افتقدوا البوصلة التي تعينهم على تلمس الطريق، وكان أن تكسرت النصال على النصال، وتكسرت معها الآمال أيضا، وتعرض المشروع القومي المأمول للانكفاء على يد أنصاره قبل أن ينكفئ بفعل أيادي خصومه.

لا بأس في هذا الاستذكار الموجع أن نشير لأسماء كانت معلومة، ودخلت التاريخ على قدر من السعة والرواج ثم تقلصت مساحة التذكير بها حتى اختفت، وأظن أن من بعض اسباب اختفائها يكمن في محاولة من تزعم الحركات والمنظمات والمؤتمرات القومية اللاحقة، أو حتى من قاد تجارب السلطة ورفع الشعارات القومية ذاتها التي جاء بها أولئك الرواد أن يحتكر المشهد القومي له ويغتصب المجد لنفسه قاطعا صلة الرحم بمن سبقه.

تدابير الواجب

من بين تلك الأسماء عبد الغني العريسي، ومحمد محمصاني، وشارل دباس، وشكري غانم، وندرة مطران، وجميل معلوف، وتوفيق فايد، وعوني عبد الهادي، وجميل مردم، وآزرهم ناشطون آخرون وصل عددهم لبضع مئات، وقد حددوا هدفهم بالبحث عن التدابير الواجب اتخاذها، لوقاية الأرض (العربية) من عادية الأجانب، وانقاذها من صبغة التسيطر والاستبداد، وأول مطالبهم كانت، اللامركزية، وحقوق العرب في الدولة العثمانية، وموضوع الحياة الوطنية، ومناهضة الاحتلال، وضرورة الإصلاح، ولم ينسوا الإشارة الى موضوع، الهجرة اليهودية الى البلاد السورية (فلسطين)، على أن واحدة من نقاط الاتفاق الرئيسة كانت في تثبيت;أن المؤتمر ليست له صفة دينية، وان عدد المسلمين والمسيحيين متساو فيه دلالة الاتحاد بين المسلمين والمسيحيين. وإذ اعترض بعضهم على عقد المؤتمر في باريس باعتبار ان الدولة الفرنسية المضيفة قد تفرض ضغوطاتها عليهم فان شطارة الباقين كسحت هذا المنطق، وبلورت أملا كان مختزنا في النفوس لتحوله الى صيغة عمل امتد الى أكثر من مكان، وشمل غير قطاع حتى أثمر فيما بعد فعاليات أكثر قوة وتأثيرا سوف نلاحظه في سنوات نهايات الحرب الأولى التي كانت القضية العربية واحدة من أبرز القضايا التي كان على المنتصرين ان يهتموا بالبحث فيها.

مغريات السلطة

ولا بأس أن نذكر بالخير هنا أولئك الرجال الذين ظهروا في الأربعينات والخمسينات وعدوا امتدادا لرجال مؤتمر باريس وان أخفق بعضهم في تحقيق ما كان يهدف اليه، وتنكب بعض آخر الطريق عندما واجهته مغريات السلطة ومغانمها: عفلق والبيطار في تبشيرهما ببعث الأمة، وزكي الأرسوزي في كشفه لشخصيتها، وساطع الحصري في تأكيده على لغتها، وجمال عبد الناصر في مسيرته باتجاه وحدتها وحريتها، وكذلك رجال حزب الاستقلال في العراق، وآخرين في بلاد المغرب، ورجال الجيل الثاني في بعث سوريا والعراق.

ومن عجب أننا، وبعد أكثر من مئة عام، ما نزال نبحث في، التدابير الواجب اتخاذها لوقاية الأرض (العربية) من عاديات الأجانب وانقاذها من صبغة التسيطر والاستبداد، ولذلك يصبح هذا الايجاز لتاريخ أولئك الرواد والسعي لإيقاظ مآثرهم في الذهن مطلوبا اليوم خاصة والمشهد العربي الماثل يكاد يبدد الأمل في فعل يوحد بين أقطار الأمة التي تكاد تتهاوى على وقع النزعات الطائفية والعنصرية، وتكاد تفقد حتى لغتها التي اعتمدها الحصري أحد مقومات الأمة، وأكاد أقول حتى تاريخها الذي يواجه الطعنات من كل جانب لدرجة ان تلصق به كل المثالب والخطايا، أما الجغرافية فيكفي أن تشهد عيوننا حالة الاستلاب والتمزق الماثلة على امتداد الوطن الذي لم يعد كبيرا كما كنا نحلم ونتصور.

 

 

 

 


مشاهدات 89
الكاتب عبد اللطيف السعدون
أضيف 2025/06/21 - 12:38 AM
آخر تحديث 2025/06/21 - 12:01 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 323 الشهر 13410 الكلي 11148064
الوقت الآن
السبت 2025/6/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير