مذبحة تكريت
حسن النواب
في طريقهم إلى المذبحةِ؛
كانَ اللهُ يراهمْ،
موكبَ حمامٍ مرعوبٍ،
حتى أنَّهُ أحصاهم،
وهم يتعثّرون بأجنحتهم المُغبرَّةِ،
ومن حناجرهم تهدلُ استغاثةٌ سومرية،
سمعها العرشُ،
وعلى عجل ٍأرسلَ ملائكةً،
لتنقذهمْ من الهاوية،
لكنَّ إبليس اعترضها،
وضلَّلَ طريقها؛
حتى تاهتْ بينَ جبال حمرينْ؛
بينما ظلَّ أبناء الخائباتِ في موكبهم الذبيحْ،
يتضرعُونَ ويسبّحونَ إلى سماءٍ واجمةٍ،
لم تشفعْ الأدعية السجادية التي ردَّدوها،
ولا القرابين التي نذروها،
حتى يئسوا من الرجاءْ.
وحين باغتهم عصف الشظايا والرصاص،
حاملاً طائر الفجيعة فوق رؤوسهم،
وقدْ فرَّ منها آخر حلمٍ للنجاة،
بسملوا وحوقلوا؛
وغرَّدَتْ شفاههم الظمأى بالشهادتينْ.
بعضهم من يأسهِ، انتخى «أم البنينْ»
وحالما طرق النداء قلبها، ترَكتْ صلاة الظهرِ؛
وهبَّتْ من حي الطينِ إلى نجدتهمْ،
نشَرتْ عباءتها البدوية ساتراً بينهم وبين الغادرينْ،
وأخذتْ بعضهم تحت جنح المنايا،
إلى خيمتها سالمينْ،
ومَنْ تبقّى منهم أمسوا أسرى لبطش الرعاعِ في تكريت،
بوعودٍ خُلّبٍ خدعوهم،
وإلى فخاخٍ استدرجوهم،
أوّاهُ يا ربّاهُ أين أبابيلك إذن؟
لترجمَ حجارة سجّيلٍ على قومٍ خؤونٍ؛
أطفأوا جمرَ الدلالِ؛ وبالضغينة استثاروا،
وبنواميس زائفاتٍ استجاروا،
وبحق أبرياءٍ أمعنوا بطشاً ثم جاروا،
ومنازلهم كانت مضافةً لغرباءٍ؛
بسراويل ودشاديش قصيرة؛
دنّستْ أرض السوادْ بالنباحِ والهبابْ،
وأحالوا القصور الرئاسية مذبحاً؛
حُزَّتْ على عتباتها آلاف رقاب الأبرياء؛
ولأنَّ ذخيرتهم لا تكفي لإعدام كل الحمام؛
نحروا ما تبقى بالحرابْ؛
حتى اصطبغتْ دجلة بنزيفهم؛
كأنَّهم مواكب تطبيرٍ جاءت سهواً؛
من عاشوراء كربلاءَ إلى غبار صلاح الدينْ،
تُرى هل لصفقةٍ مظلمةٍ صاروا قرابين؛
أم أنَّ دماهم الزاكية،
حين امتزجت بموج النهر؛
طهَّرتهُ من الذنوب وعطّرته مسكاً،
وأزهرتْ ورداً في البساتينْ،
عُزَّلٌ يا إلهي كانوا، جبلوا من طين الفراتْ؛
وعلى جباههم يلمعُ ذَهَبَ القبابْ،
ولشبابهم المغدورْ؛
حتى عزرائيل أقام مراسيمَ الحِدادْ.
ضاقتْ الجنةُ بأرواحهم المضرَّجة بالشهقات؛
منهم من طلب اللجوء بالخفاءْ؛
ولذا رأيتهم يملؤون صالة المطار؛
باحتجاجٍ غاضبينْ؛
وبأسمالٍ تقطرُ دماً شفيفاً؛
لشيوخِ الغدرِ شاجبينْ،
وحين حلَّقت الطائرة؛
رأيتهم يشغلونَ مقاعدها صامتينْ؛
هل جاءوا معي إلى «بيرث»* لاجئينْ؛
لا أدري؟ يا رب الصابرينْ،
ونجيع أرواحهم المفجوعةِ؛
يستغيثُ من سماءٍ داميةٍ،
غير سماوات الله،
وأكادُ اسمعهم هاتفينْ؛
يا لثارات الحُسينْ.