الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
شكر حاجم الصالحي.. شاعر الفرات وحارس ليل الكلمات


شكر حاجم الصالحي.. شاعر الفرات وحارس ليل الكلمات

محمد علي محيي الدين

 

في قلب الحلة حيث تهمس أودية الفرات بأسرارها، وتهتز النخيل شموخاً كأنها تروي حكايا الزمن، ولد شكر حاجم سلطان علي الصالحي عام 1947. من منطقة السياحي، حيث كان النهر وطنه الأول، وأرض السدة مأواه، شق طريقه بين نوافذ الطفولة، وصروح المدارس، حتى أكمل دراسته الإعدادية في الحلة، وهناك تشرب عبق التاريخ وغزل الهواء بأحلام الشعر.

خطا خطواته الأولى في كلية الحقوق بالبصرة، لكن القدر كان له رأي آخر؛ فترك الدراسة لأسباب قاهرة، كي ينصت لصوت الحياة الذي كان يدعوه، فغاص في زوايا مصانع وزارة الصناعة، يحمل بين يديه خيوط الحرير والنسيج، لكنه لم ينسَ أن الكلمات، كما الحرير، تحتاج إلى خياطة وإتقان لتصبح نسيجاً من نور. ومن هناك، في دائرة زراعة مشروع المسيب الكبير، التقى بالأديب الراحل قاسم عبد الأمير عجام، ذلك الصوت الذي أضاء له دروب الأدب، وفتح أمامه نوافذ الإلهام.

لم يكن الصالحي مجرد عامل في مصانع الحياة، بل كان قلباً نابضاً يعانق الثقافة، حينما التحق بوزارة الثقافة العراقية، ليعمل في دار الثقافة الجماهيرية حديثة النشأة في الحلة، حيث صار الكلمة بالنسبة له قصيدة لا تنتهي، ومكتبة "الأدباء" التي افتتحها في مركز المدينة، لم تكن مجرد رفوف كتب، بل كانت واحة تلتقي فيها الأرواح المثقفة، وتنتشر فيها رائحة الحبر ودفء الحوار.

وفي عام 2000، حمل شكر حاجم روح التغيير، فأسس مع رفاقه جريدة "الجنائن"، صوت الأدب والمثقفين، وأدار دفتها حتى توقفت بين صفحات التاريخ بعد سقوط نظام البعث. كما ترأس تحرير مجلة "المضايف"، رغم توقفها لاحقاً، لكنه لم يتوقف هو، ظل يكتب ويبدع، يرصد الوطن في شعره ودراساته، يرسم صور الفرات وأحلام الحلة، ويبني جسوراً من الكلمات لا تهدمها رياح الزمن.

كان من رواد جمعية الشعراء الشعبيين في الحلة، التي ساهم في تأسيسها عام 1972 وترأسها لسنوات، وأسس اتحاد الأدباء فرع بابل عام 1982، وظل قيادياً ملهمًا، يشد أواصر الأدب مع جذوره العميقة في الأرض والشعب.

تتحدث دواوينه عن الألم والكرامة والحب، كـ"الشهداء يطرقون الأبواب" و"قميص النار" و"معلقة الفاو"، حيث تحلق القصيدة العراقية في سماء النضال والحنين، وتمتزج فيها اللغة بالدم والدموع. كتب عن أصدقائه الشعراء، ودرس شعراء العراق بحب واهتمام، وفي تراثه "جوانب مشرقة من التراث الشعبي" نجد الروح العراقية الأصيلة حيةً نابضةً.

 

ترك لنا قصائد مثل "سأراها أنثى"، ومقالات نقدية تنير دروب الشعر مثل "شاكيرا تراقص موفق محمد"، وشهادات عن كبار الأدباء والفنانين، لينسج من ذلك كله نسيجاً من الحب والتاريخ والذاكرة. كان صوته دافعاً للحياة، وكلماتُه شمعاتٍ تضيء ظلام الخوف والظلم.

من أبرز مؤلفاته التي تثري المكتبة العراقية: الشهداء يطرقون الأبواب، قميص النار، خطوط أمامية، خطوط خلفية، غزل عراقي، الشعراء يطرقون الأبواب، سر الليل، معلقة الفاو، دراسات ونصوص عن شعراء مثل "الشاعر فلاح عسكر" و"حميد سعيد"، جمع وتقديم ديوان "دفتر المحبة" للشاعر علي الحسيني، ذاكرة القراء، أصابع الكلام، جوانب مشرقة من التراث الشعبي، ناجح المعموري الأسطورة التي تبقى، شاكيرا تراقص موفق محمد، سأراها أنثى، هذا ما حدث، أشجار فراتية القوام، الأسطورة ريح، التاج – تجليات حلية، الملا القصاب الشاعر نبض ونصوص، فنانون بابليون، حدائق الكلام، ما قرأت لكم، الحلة ينبوع أخضر، لوضوحي أمضي، مصابيح الظلام، خيول الخوف، قطار الوقت، قرأت وكتبت، هل هذا هو أنت، فحل التوث، سمك سداوي.

لقد تناولت تجربته عدة دراسات نقدية مهمة، منها: جغرافية الخراب" – ناجح المعموري، شكر ابن العلوية" – حسين نهابة، وجع عراقي" – زهراء عبيد الطائي، حميد سعيد نجمة من بعيد".

حين غادرنا في الثاني من آب 2023، كان القلب مثقلاً بالفقد، لكن إرثه بقي، كأنه شجرة الفرات، شامخة، تمد جذورها عميقاً في الأرض، وأغصانها تلامس السماء. في مقبرة النجف ودعته الأرض، وفي حفل التأبين حضر الأدباء والفنانون والصحفيون، ليشهدوا على حياةٍ كُتبت بماء الشعر ونبض القلم.

شكر حاجم الصالحي، ذلك الشاعر الذي رسم بالعربية قصائد النهر والتاريخ، ترك لنا كنزاً من الشعر والتوثيق، ذاكرة لا تنطفئ، صوتاً فلسطينياً عراقياً أصيلاً في سماء الأدب، وتاجاً من كلمات تضيء الدروب لكل من يهوى الجمال والكلمة.

فيا شاعر الفرات، يا من جعلت من الكلمات قصوراً، ومن الحروف أنفاقاً عبر الزمن، تبقى في قلوبنا شعلة لا تنطفئ، وأسطورةً حية في سماء الشعر العراقي الخالد.

 

 

 

 

 


مشاهدات 60
الكاتب محمد علي محيي الدين
أضيف 2025/06/15 - 3:19 PM
آخر تحديث 2025/06/16 - 6:58 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 181 الشهر 10249 الكلي 11144903
الوقت الآن
الإثنين 2025/6/16 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير