بن غفير يدعو الى دخول القطاع بكامل القوة
هيومن رايس:الخطة الإسرائيلية الأخيرة تقترب أكثر من الإبادة
غزة - الزمان
دعا وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير الجمعة إلى استخدام «كامل القوة» في غزة، وذلك غداة إعلان حركة حماس أن اقتراح الهدنة الجديد المدعوم من الولايات المتحدة لا يلبّي مطالبها.
في الوقت نفسه، أعلنت الأمم المتتحدة امس الجمعة من جنيف أن "غزة هي المكان الأكثر جوعا في العالم"، وجميع سكانها "معرّضون لخطر المجاعة".
وحتى الآن، فشلت المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس والهادفة إلى إنهاء الحرب المستمرّة منذ أكثر 19 شهرا في القطاع الفلسطيني المحاصر، في تحقيق أي تقدّم.
وكتب بن غفير الجمعة على منصة تلغرام متوجها أمس إلى رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو "بعدما رفضت حماس مرة أخرى اقتراح الاتفاق، لم تعد هناك أي أعذار".
وأضاف "يجب أن ينتهي الارتباك والتخبّط والضعف. أضعنا حتى الآن الكثير من الفرص. حان الوقت للدخول بكامل القوة، دون تردّد، لتدمير وقتل حماس حتى آخر عنصر فيها".
وكانت الناطقة باسم البيت الأبيض كاورلاين ليفيت أعلنت الخميس أنّ الرئيس دونالد ترامب والموفد الأميركي ستيف ويتكوف "أرسلا إلى حماس اقتراحا لوقف إطلاق النار وافقت عليه إسرائيل وأيّدته".
وأضافت أنّ "إسرائيل وقعت هذا الاقتراح قبل إرساله إلى حماس".
ولم تؤكد إسرائيل موافقتها على المقترح الجديد.
اقتراح هدنة
وقالت مصادر في حماس الأسبوع الماضي إن الحركة قبلت اقتراحا أميركيا لهدنة، إلا أن الحركة أوضحت أمس أن الاقتراح الأخير مختلف ويستجيب لمطالب إسرائيل.
وقال عضو المكتب السياسي لحركة حماس باسم نعيم الخميس "ردّ الاحتلال في جوهره يعني تأبيد الاحتلال واستمرار القتل والمجاعة (...)، ولا يستجيب لأي من مطالب شعبنا وفي مقدمها وقف الحرب والمجاعة".
وقال مصدران فلسطينيان مطلعان على المفاوضات إن المقترح الاميركي الجديد يشتمل على هدنة لستين يوما يمكن تمديدها حتى سبعين، وإفراج حماس خلال الأسبوع الأول عن خمسة رهائن أحياء وتسعة متوفين، مقابل إفراج الدولة العبرية عن معتقلين فلسطينيين، على ان تتمّ في الأسبوع الثاني عملية تبادل ثانية تشمل العدد نفسه من الرهائن الأحياء والأموات.
أما الاقتراح الذي كانت أعلنت حماس موافقتها عليه، فينص، وفق مصدر فلسطيني، على 70 يوما من الهدنة مقابل الإفراج عن عشر رهائن على دفعتين"، خمس في الأسبوع الأول، وخمس قبل انتهاء الهدنة، على أن يتزامن ذلك مع مفاوضات "حول وقف إطلاق نار دائم بضمانات أميركية".
وأفاد الدفاع المدني في غزة وكالة فرانس برس أن 22 شخصا قتلوا الجمعة في قصف إسرائيلي في أنحاء مختلفة من القطاع.ويعاني قطاع غزة وضعا إنسانيا خطيرا وسط أزمة جوع مستفحلة، رغم بدء إدخال مساعدات قليلة قبل أيام، بعد حصار إسرائيلي مطبق منذ أكثر من شهرين.
وقال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) الجمعة إنّ "غزة هي المكان الأكثر جوعا في العالم"، مشيرا الى أن "100 في المئة من السكان معرّضون لخطر المجاعة".
وقال ينس لاركه في مؤتمر صحافي دوري للأمم المتحدة في جنيف "إنها المنطقة الوحيدة، البلد أو القطاع الوحيد داخل بلد حيث كل السكان معرّضون لخطر المجاعة".
وكانت إسرائيل استأنفت هجماتها على قطاع غزة في منتصف آذار/مارس بعد هدنة استمرّت ستة أسابيع، وكثّفت عملياتها العسكرية في 17 أيار/مايو، قائلة إن الهدف من ذلك هو القضاء على حركة حماس وتحرير الرهائن الذين لا يزالون محتجزين في القطاع وخطفوا خلال هجوم الحركة غير المسبوق على الدولة العبرية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وأدى هجوم حماس إلى مقتل 1218 شخصا في الجانب الإسرائيلي، معظمهم من المدنيين، وفق حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس استنادا إلى مصادر رسمية. ومن بين 251 شخصا خُطفوا خلال الهجوم، لا يزال 57 في غزة، أكد الجيش وفاة 34 منهم على الأقل.كما تحتجز حماس جثمان جندي إسرائيلي قتل في حرب سابقة في غزة عام 2014.
وأسفرت الحملة العسكرية الإسرائيلية المدمّرة في غزة عن مقتل أكثر من 54249 فلسطينيا، معظمهم من المدنيين، وفقا لبيانات وزارة الصحة التابعة لحماس، والتي تعتبرها الأمم المتحدة موثوقة.
خطة حكومية
الى ذلك قالت هيومن رايتس ووتش إن خطة الحكومة الإسرائيلية لهدم ما تبقى من البنية التحتية المدنية في غزة وتركيز السكان الفلسطينيين في منطقة أصغر ترقى إلى تصعيد بغيض لأفعالها المستمرة المتمثلة في الجرائم ضد الإنسانية، والتطهير العرقي، وأفعال الإبادة الجماعية.
وتفيد التقارير أن السلطات الإسرائيلية، التي تمنع دخول المساعدات والمواد الغذائية والوقود والإمدادات الطبية إلى غزة منذ 75 يوما، أقرت خطة تشمل «تسوية» المباني بالأرض وتهجير جميع سكان غزة إلى «منطقة إنسانية» واحدة ما لم يتم التوصل إلى «اتفاق” مع “حماس” بحلول منتصف مايو/أيار 2025. التصدي للوضع الإنساني المتردي الناجم عن الحصار غير القانوني وخطط تصعيد التهجير القسري والتدمير الواسع يتطلب استجابة أقوى من الحكومات والمؤسسات الأخرى، لا سيما الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا و»الاتحاد الأوروبي» وبريطانيا. دعت هيومن رايتس ووتش جميع الأطراف الموقعة على “اتفاقية الإبادة الجماعية” إلى بذل جهد أكبر لمنع وقوع المزيد من الفظائع، بما يشمل إنهاء مبيعات الأسلحة والمساعدات العسكرية والدعم الدبلوماسي لإسرائيل، وفرض عقوبات محددة الأهداف على المسؤولين الإسرائيليين، ومراجعة الاتفاقيات الثنائية والنظر في تعليقها.
قال فيديريكو بوريلو، المدير التنفيذي الانتقالي في هيومن رايتس ووتش: «يتباهى المسؤولون الإسرائيليون بخططهم لحشر سكان غزة البالغ عددهم 2 مليون في مساحة أصغر مع جعل بقية الأرض غير صالحة للسكن. هذه التصريحات يجب أن تُسمَع كناقوس خطر في لندن، وبروكسل، وباريس، وواشنطن. تجاوز الحصار الإسرائيلي التكتيكات العسكرية ليصبح أداة للإبادة».
حذرت “الأمم المتحدة” من أن غزة تواجه أسوأ أزمة إنسانية منذ بدء القتال. وقال أبرز خبراء العالم في مجال انعدام الأمن الغذائي، القيّمون على “التصنيف المرحلي المتكامل”، في 12 مايو/أيار إن هناك “خطرا شديدا» يتمثل في حدوث مجاعة في غزة في الأسابيع المقبلة، إذ من المرجح أن يواجه المجاعةَ واحدٌ من كل خمسة أشخاص. وقالت «منظمة الصحة العالمية” في 11 مايو/أيار إن غزة تشهد “إحدى أسوأ أزمات الجوع في العالم، التي تتكشف في وقت حدوثها”، مستشهدة بتقرير صادر عن وزارة الصحة في غزة يفيد بأن 57 طفلا على الأقل لقوا حتفهم بسبب سوء التغذية في غزة منذ بدء الحصار. كرر وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس في منتصف أبريل/نيسان أن “سياسة إسرائيل واضحة: لن تدخل أي مساعدات إنسانية إلى غزة”. وقال وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير حينها: «طالما أن رهائننا يموتون في الأنفاق، فلا يوجد أي سبب على الإطلاق للسماح حتى بغرام واحد من الطعام أو المساعدات».
بحسب الحكومة الإسرائيلية، يُعتقد أن 58 رهينة إسرائيليين ما يزالون محتجزين في غزة، ويُعتقد أن 23 منهم على قيد الحياة. على الفصائل الفلسطينية المسلحة أن تفرج فورا وبشكل آمن عن جميع المدنيين الذين تحتجزهم، وكذلك على السلطات الإسرائيلية أن تفرج فورا وبشكل آمن عن جميع الفلسطينيين المحتجزين بشكل غير قانوني.
في أوائل مايو/أيار، وافق مجلس الوزراء الأمني المصغر بقيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على خطة أطلق عليها اسم “عربات جدعون»، والتي يقول إنها قد تبدأ بمجرد انتهاء زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمنطقة في 16 مايو/أيار. وتتضمن الخطة تهجير جزء كبير من السكان الفلسطينيين في غزة بالقوة مع الاستيلاء على القطاع واحتلاله. وقد أعلن نتنياهو في 5 مايو/أيار أنه “لن يكون هناك دخول وخروج”. وقال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي يشغل أيضا منصب وزير في وزارة الدفاع وهو عضو في الحكومة الأمنية المصغرة، إن إسرائيل «ستحتل قطاع غزة أخيرا». ويشير سموتريتش، الذي قال إن غزة «ستدمر بالكامل» وسكانها الفلسطينيون «سيغادرون بأعداد كبيرة إلى دول ثالثة”، إلى أنه ينبغي ألا تُعدَّل هذه الخطط، حتى لو أُطلق سراح الرهائن.
رائم حرب
عندما تقترن هذه الخطط بالتدمير المنهجي للمنازل، والمباني السكنية، والبساتين والحقول، والمدارس، والمستشفيات، ومرافق المياه والصرف الصحي، فضلا عن استخدام التجويع كسلاح حرب – وهي أفعال ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما يشمل الإبادة وأفعال الإبادة الجماعية – فإن هذه الخطط تستدعي «واجب المنع» بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية. وبالنسبة للدول الأطراف في الاتفاقية البالغ عددها 153، فإن واجب منع الإبادة الجماعية ينشأ بمجرد أن تعلم الدولة، أو يُفترض أن تعلم في الأحوال العادية، بوجود خطر جسيم يتمثل في ارتكاب الإبادة الجماعية. ولا يُشترط وجود قرار نهائي بأن الإبادة الجماعية جارية بالفعل، كما أوضحت هيومن رايتس ووتش في مداخلة لها في أبريل/نيسان 2025 في قضية معروضة حاليا أمام المحاكم البريطانية تطعن في قرار الحكومة البريطانية بمواصلة ترخيص المعدات العسكرية التي تستخدمها القوات الإسرائيلية في غزة.
تدفع إسرائيل والولايات المتحدة بخطة جديدة للاستعانة بمتعاقدين عسكريين من القطاع الخاص لتقديم المساعدات إلى أجزاء معينة من غزة فقط. في 4 مايو/أيار، حذرت الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة العاملة في غزة في بيان مشترك من أن الخطة لن تصل إلى الفئات الأكثر ضعفا، «ويبدو أنها صُممت بهدف ترسيخ السيطرة على المواد التي تحافظ على الحياة كما لو كانت تكتيكا لممارسة الضغط»، و»على حين يزيد من تكريس التهجير القسري». وقال القيمون على التصنيف المرحلي المتكامل إن الخطة يسودها «نقص كبير في تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان».
تم بالفعل تهجير جميع سكان غزة تقريبا، في حين أن السلطات الإسرائيلية اتبعت التهجير القسري كسياسة دولة، ما جعل القطاع غير صالح للسكن إلى حد كبير. وقد أكد المسؤولون الإسرائيليون أن المناطق التي «أخلاها» الجيش الإسرائيلي من الآن فصاعدا ستتبع «نموذج رفح»، وهو تعبير ملطف لتدمير البنية التحتية المدنية.
تُلزم اتفاقية الإبادة الجماعية الدول الأطراف “باستخدام جميع الوسائل المتاحة لها في حدود المعقول لمنع الإبادة الجماعية قدر الإمكان”. وقالت هيومن رايتس ووتش إن الدول الأطراف في اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، تواجه خطر المسؤولية القانونية عن عدم التحرك لمنع الإبادة الجماعية في غزة. وقد خلصت “محكمة العدل الدولية” عام 2007 إلى أن الالتزام ينطبق خارج الحدود الإقليمية “على الدولة أينما كانت تتصرف أو قد تكون قادرة على التصرف بطرق ملائمة للوفاء بالالتزام”. وتتحمل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، التي تربطها علاقات قوية مع الحكومة الإسرائيلية أو لها تأثير عليها، مسؤولية مضاعفة يجب أن تدفعها إلى التصرف.
ولدى وكالات الإغاثة 171 ألف طن متري من المواد الغذائية المخزنة مسبقا في المنطقة، وهو ما يكفي لإعالة 2 مليون شخص في غزة لثلاثة إلى أربعة أشهر، ولكن لم يُسمح لها بالدخول منذ 2 مارس/آذار 2025. وقد أُجبرت المخابز والمطابخ المجتمعية (أو «التكيات») ومنظمات الإغاثة، بما فيها «برنامج الأغذية العالمي» و»المطبخ المركزي العالمي”، على وقف عملياتها بسبب نفاد مخزونها من الأغذية. يقضي الناس الآن ساعات في انتظار القليل من الماء أو الدقيق الفاسد. ووفقا لـ «الرابطة الدولية للمياه”، فإن 90% من الأسر كانت تعاني من ندرة المياه في النصف الأول من شهر أبريل/نيسان، وغالبا ما كانت تضطر إلى الاختيار بين الاستحمام والتنظيف والطهي. وقد ارتفعت هذه النسبة على الأرجح بسبب عدم دخول الوقود اللازم لتشغيل محطات تحلية المياه ومضخات المياه للآبار إلى غزة منذ 2 مارس/آذار.
جعلت السلطات الإسرائيلية فعليا من المستحيل إيصال المساعدات. كما أدى تزايد استخدام أوامر الإخلاء إلى محاصرة المدنيين في مناطق معزولة دون طعام أو ماء. ووفقا لمسح أجرته منظمة «ريليف ويب»، اضطرت 95% من منظمات الإغاثة العاملة في غزة إلى تعليق خدماتها أو خفضها بشكل كبير منذ تصعيد القتال في 18 مارس/آذار بسبب القصف الإسرائيلي الواسع أو القيود الإسرائيلية الصارمة.
أصدرت محكمة العدل الدولية ثلاث دفعات من التدابير المؤقتة في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل. وقد تجاهلت السلطات الإسرائيلية هذه الإجراءات جميعها.
استمرار مبيعات الأسلحة والمساعدة العسكرية والدعم الدبلوماسي للحكومة الإسرائيلية، رغم الأدلة الدامغة على ارتكاب جرائم فظيعة، يُعرّض الحكومات والمسؤولين لخطر التواطؤ. على الحكومات وقف نقل الأسلحة فورا. كما قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومات دعم جهود المساءلة الدولية، بما في ذلك إنفاذ أوامر التوقيف الصادرة عن «المحكمة الجنائية الدولية».
على الحكومات أيضا مراجعة الاتفاقيات الثنائية مع إسرائيل فورا، بما فيها «اتفاقية الشراكة» بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، التي تُحدد «احترام حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية» كـ «عنصر أساسي» في الاتفاقية. وتدعم هذه المراجعة كل من إسبانيا، وإيرلندا، والبرتغال، وبلجيكا، والسويد، وسلوفينيا، وفرنسا، وفنلندا، وهولندا.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه يجب مراجعة «اتفاقية الشراكة التجارية» البريطانية-الإسرائيلية وخارطة الطريق البريطانية لعام 2030 للعلاقات الثنائية بين بريطانيا وإسرائيل، بما يشمل إزالة الأحكام التي تحمي إسرائيل أو تحاول حمايتها من المساءلة.
قال بوريلو: «الدول الأطراف في اتفاقية الإبادة الجماعية قد التزمت ليس بمعاقبة مرتكبيها فحسب، بل أيضا بمنع وقوعها. التقاعس عن منع السلطات الإسرائيلية من تجويع المدنيين في غزة وجعل القطاع غير صالح للعيش يتناقض تماما مع جوهر الاتفاقية».