الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
بين الإستحقاق والإنجاز.. فهم مسؤولية الدولة وحدود الطموح

بواسطة azzaman

بين الإستحقاق والإنجاز.. فهم مسؤولية الدولة وحدود الطموح

كامل الدليمي

 

في خضم النقاشات المستمرة حول دور الدولة ومكانة المواطن، كثيرًا ما تتداخل المفاهيم بين ما هو “استحقاق” وما يُعدّ “إنجازًا”، فنقع أحيانًا في فخ المطالبات العاطفية دون إدراك أن ما نطالب به من حقوق أساسية هو في الحقيقة استحقاقٌ لا منّة، وأن الإنجاز الحقيقي يجب أن يتجاوز الحد الأدنى من تلك الحقوق نحو بناء حياة كريمة ومستقبل آمن ومزدهر.

إن الاستحقاق هو ما يجب أن يتوفر لأي مواطن لمجرد كونه مواطنًا: العيش الكريم، الأمن، العدالة، الخدمات الأساسية، وتكافؤ الفرص. هذه ليست هبات تُقدّم ولا امتيازات تُمنح، بل هي واجبات دستورية وأخلاقية تقع على عاتق الدولة ومؤسساتها، وهي الأساس الذي تقوم عليه فكرة العقد الاجتماعي بين الشعب والحكومة. المواطن يستحق بيتًا آمنًا، دخلًا مستقرًا، تعليمًا مجانيًا محترمًا، ورعاية صحية تحفظ له كرامته. كما أن من حقه أن يعيش في بيئة خالية من العنف والتمييز والفساد، ويتمتع بالأمن النفسي والاجتماعي والاقتصادي.

نظام عام

أما الإنجاز، فهو أن تتجاوز الدولة هذا الحد الأدنى لتنتقل بالمواطن من الاكتفاء إلى الرفاه، ومن الشعور بالنجاة إلى الشعور بالتمكين. الإنجاز أن يشعر المواطن أن حريته مصونة، وأن صوته مسموع، وأنه قادر على التعبير عن رأيه ضمن أطر القانون، دون خوف أو ترهيب، وبما يحترم تقاليد المجتمع ويحفظ النظام العام. الإنجاز أن تتحول التنمية إلى رؤية لا إلى مشاريع متفرقة، وأن تكون جودة الحياة هدفًا لا شعارًا، وأن تنجح الدولة في بناء إنسان منتج، واعٍ، ومتصالح مع ذاته ومجتمعه.

الخطورة تكمن حين تصبح الاستحقاقات “إنجازات إعلامية”، فنُضطر أن نحتفل بتوفير الكهرباء أو تعبيد شارع كما لو أنه انتصار، في حين أن تلك الخدمات لا ينبغي أصلًا أن تُؤجل أو تُمنّن، لأنها من صميم ما يستحقه المواطن من دولته. كما أن الإنجاز لا يقاس فقط بالبنى التحتية ولا بعدد المشاريع المنجزة، بل بمدى تأثيرها على الإنسان، وعلى حريته، وعلى كرامته، وعلى شعوره بالانتماء لوطنه.

من المهم أن يُعاد ضبط العلاقة بين الدولة والمجتمع على هذا الأساس: أن الاستحقاقات لا تُختزل في الشعارات، وأن الإنجازات لا تُقاس بالمظاهر، بل بالنتائج الفعلية. ومن المهم أيضًا أن يدرك المواطن، خاصة في الدول الخارجة من الأزمات والصراعات، أن المطالبة بالحقوق يجب أن تكون مقرونة بالوعي والمسؤولية، وأن الإنجاز لا يأتي دون مشاركة شعبية حقيقية تدفع باتجاه الإصلاح، وتحاسب المقصر، وتدعم من يعمل بإخلاص.

الفرق بين الاستحقاق والإنجاز ليس مجرد فرق لغوي أو سياسي، بل هو في صميم كيفية فهمنا لمكانة المواطن، ولدور الدولة، ولطموحنا المشترك في بناء وطن يليق بنا جميعًا .

 


مشاهدات 108
الكاتب كامل الدليمي
أضيف 2025/08/04 - 3:28 PM
آخر تحديث 2025/08/05 - 9:16 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 673 الشهر 3618 الكلي 11298704
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/8/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير