مرثية الشاعر والرسام لعراق عصف به الخراب: لا قمر يفتح بواباتك بغداد ولا الأرض تدور
انصاف قلعجي
يشترك المبدعان العراقيان، الشاعر حميد سعيد والتشكيلي أحمد الشهابي،في إنجاز ثقافي متميز حقاً، وما حقق هذا التميز،تعاضد الشعر والرسم وتكاملهما، تحت شمس العراق وتاريخه المجيد. كلٌ منهما، الشاعر والرسام، وجد ضالته في مفردات تاريخية وأسطورية تنتسب إلى بواكير الحضارة الإنسانية ومهدها الرافديني، وعبَّر عن ارتباطه بتراب وطنه من خلالها.
ومن يتأمل قصيدة الشاعر حميد سعيد ولوحات التشكيلي أحمد الشهابي، لا بد أن يتساءل ، من منهما سبق الآخر إلى حصته في هذا الإنجاز الثقافي؟ أما أنا فقد وجدتهما معاً، خطوة ً تلو خطوةٍ، بل وجدتهما في فضاء تعبيري واحد. وكان فضاؤهما، هو العراق القديم العظيم، عراق سومر وبابل وأكد وآشور، حيث الحكماء والكهان والشعراء، يخوضون معاركهم ضد العتمة ووحوشها التي حاولت طردهم من حقول النور.
لكنني سأتساءل مرةً أخرى، أهي مرثية لعراق عصفت به عواصف الاحتلال والطائفية والخراب، وهنا يعود بنا كلٌ من الشاعر والرسام إلى ذلك الزمن الجميل، يستمدان منه بعض أملٍ، لتجاوز ما حدث ويحدث في العراق، في زمن الخراب، والنار التي تحاصرهم في كل مكان، لتعيدهم إلى العتمة ووحوشها.
أي أن الزمان يغدو بين آونة وأخرى ، فضاءً معتماً مدمى، فيرى أبناء ذلك الزمان، ما رآه الذين قبلهم من خرابٍ جاء به الغزاة من ممالك الحقد إلى أوروك ، فأشعلوا النيران في نخيلها وفي حقولها الخُضر، وعمَّت ضجة اللصوص، وجرحوا الألحان ومحوا ليالي الأنس الجميلة.
(أهذه نهاية الكون.. وهذي فورة التنور؟
خائفةٌ عشتارُ
قانتٌ تموز..
من هؤلاء ؟)
وتتبرأ المرأة البغي من ماضيها
(من هو إنكيدو ؟
تقول المرأةُ البغيُّ .. لم يكن لي صاحباً
ولم يذق من ثمرات جسدي.. حلواً ولا مراً..
ولم يَكُنْ خلاً لگلگامش..
ما رافقه يوماً إلى الماء)
وكما لجأ أسلافهم إلى أمهم ( شبعاد) ملكة سومر ورمزها البهي، حاول كلٌ من الشاعر والرسام ، اللجوء إليها، فما وجدوا في انتظارهم إلا الخراب.
(في هذا الديجور..
لا قمرٌ يفتح بواباتك بغداد..
ولا الأرض تدورْ
هجر الشعرُ الأرضَ.. وغادر موطنه الماءْ
الأوتار بقيثارك عُميٌ
والصمت عواءٌ مقرورْ)
إنه الخراب ، وما زال كلٌ من حميد سعيد وأحمد الشهابي ، ينتظران قدومَ عبد الله ، ليعيد للأرض بهاءها وللأشجار أسماءها وللأزهار عطورها.
□ عن موقع برقية