خليج القمم من الرياض إلى بغداد
فؤاد مطر
بين القمة العربية التي إستضافها لبنان (تجييراً ودعماً معنوياً من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمة الله عليه) يوم 27 مارس/ آذار 2002، وأحدث القمم تلك التي سيستضيفها العراق السبت 17 مايو/ أيار 2025 ، هي الربابعة والثلاثون، قرابة ربع قرن من الهموم والإحترابات والخيبات والرهانات وتبديد الثروات وأحدثها هذا الذي يحدث في السودان ولا تبرير موضوعياً له. وطوال هذا الربع القرن لم تكن تبلورت الدولة القادرة والمقتدرة التي لها دالة على الدول الأقطاب في العالم الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا، ثم تتطور مكانة المملكة العربية السعودية خلال عقد من الزمن العربي – الدولي الصعب وتكتسب أهمية نوعية في ضوء الزيارة التاريخية الثانية للرئيس دونالد ترمب إلى السعودية والتي جاءت في أكثر الظروف صعوبة يعيشها العالم العربي نتيجة ما إقترفه رئيس الحكومة الإسرائيليية من إبادة وتجويع وتدمير غير آخذ في الإعتبار أن ما يقترفه يزيد منسوب العداوة من جانب العرب والمسلمين للشعب اليهودي، ولا يأخذ في الإعتبار ما توصلت إليه تلك القمة لجهة الحل المتوازن للصراع العربي – الإسرائيلي وهو أن تكون هنالك دولة فلسطينية عاصمتها القدس ويكون في السياق نفسه إرتضاء عربي شامل لهذا الحل.
قمة عربية
توالى إنعقاد القمة العربية وفق صيغة أن يكون لكل دولة ووفق أبجدية إسمها دور في الإنعقاد. وفي هذه القمم التي توالت (قمة شرم الشيخ 2003 ثم قمة تونس 2004 تلتها قمة الجزائر2005) لم تخرج القرارات عن الروحية الهادئة في التناول. وكانت في جوهر جوانبها مستندة إلى القمة التاريخية في الخرطوم (أيلول/ سبتمبر 1967).
وعلى هامش هذه القمة الرحبة كانت هنالك قمم إستثنائية أوجبت الظروف الإيرانية والفلسطينية والسورية إنعقادها إنما من دون كامل الدول العربية.
ما يمكن قوله إن هذه القمم لم تحسم التعقيدات على النحو المأمول، وهذا عائد إلى أنه لم تكن هنالك مرجعية عربية قادرة على أن تقول للغرب الأميركي – الأوروبي الكلام الذي لا تكتفي الرئاسات في هذا الغرب أن تسمعه وإنما تدرجه في أجندة إهتماماتها وتعاملها مع العرب. كما لا تكون هذه الرئاسات كما إحداها ذات إنعقاد قمة وفيما القادة العرب يعقدون مؤتمرهم أرسلت مذكرة إليهم حافلة بالتنبيه والتحذير من إتخاذ قرارات لا تحبذ تلك الرئاسة إتخاذها.
الآن وبعدما باتت المملكة العربية السعودية على الشأن الذي وصلته برعاية وتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آخذاً في الإعتبار ما بناه اخوانه الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله وحققوه من إنجازات وعلى هدى ما رسم معالمه الملك المؤسس عبدالعزيز، وبجهود إستثنائية من جانب الأمير محمد بن سلمان منذ تعيينه ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء، فإن ما كان يفتقده العالم العربي هي مرجعية قادرة بما تشكله من ثقل معنوي ومادي، أن تطلب وإن كان بالتدرج من الإدارة الأميركية وبالتالي من حليفاتها الأطلسيات ما هو أعلى مطلباً من الإنجاز السريع التجاوب عليه من جانب ولي العهد السعودي وهو إبداء الاهتمام ﺒ «لبنان الجديد» وفي السياق نفسه رفْع العقوبات عن سوريا وإستكمال الرفع بلقاء يتم خلال الزيارة التاريخية بين أحدث رئاسة أميركية، رئاسة ترمب، وأحدث رئاسة سورية، رئاسة أحمد الشرع. وأهمية هذا اللقاء الأسرع حدوثاً في تاريخ اللقاءات العسيرة الإنعقاد هي أن تقليداً بدأنا نعيشه وهو قدرة قائد عربي على أن يتمنى أو يطلب من رئيس الولايات المتحدة فتح صفحة جديدة في العلاقات الأميركية – السورية، وهي خطوة لو إفترضنا أنها لا تحدث، لكانت سوريا الجديدة مكبلة بمفاعيل عقوبات جائرة طالما عانى من مساوئها العراق في زمن غابر ثم دارت الدوائر وها هو العراق الجديد يستضيف قمة من الجائز القول إنها ستأخذ في الإعتبار أجواء القمة السعودية – الأميركية، وهما قمتان لافتتان من حيث أجواء الإنعقاد والأحوال المرتبكة عموماً والناشئة عن العدوان الإسرائيلي على فلسطينيي غزة ، وهو عدوان قابل للتجميد فالإنهاء لكي يكتمل رونق إطلالة ترمب السياسية – الإستثمارية على دول الإقتدار المالي المملكة العربية السعودية ودولة قطر ودولة الإمارات والتي تحدُث في ظروف إحتياج كل من الجانبيْن إلى موقف حاسم من الصراع العربي – الإسرائيلي.
فكما حاجة الإدارة الأميركية في الظروف الراهنة إلى شراكة إستثمارية تخفف من وطأة الظروف المعيشية والإقتصادية التي حاصلة في معظم الولايات الأميركية.
أربعة عقود
وبالذات في نيويورك على نحو ما رواه لنا أصدقاء مقيمون في «عاصمة المال والأعمال» منذ أربعة عقود، فإن المملكة العربية السعودية وشقيقاتها دول الخليج تتوقع أن تخطو الإدارة الأميركية خطوة نوعية إزاء كبح العدوان الإسرائيلي، لا تقتصر على إجبار حكومة نتنياهو إدخال موارد غذائية تضع حداً للمجاعة في غزة وأدوية تعالج الألوف من الأطفال والنساء والمسنين. ومثل هذه الخطوة لا تستدعي تطبيعاً مسبقاً على نحو ما تروج لذلك الإدارة الأميركية.
خلاصة القول إنه بات للعالم العربي مرجعية ودية وندية بنسبة ما مع الغرب الأميركي – الأوروبي. ومن الجائز الإفتراض هنا بأن القمة العربية في عاصمة الرشيد يوم السبت ستؤكد أهمية هذه المرجعية وترفدها بما هو أكثر من التمنيات. وعلى الله الإتكال.