ليست طائفية.. مشاكلنا مع دول الخليج أمنية
منقذ داغر
بعد الضجة التي أثارتها زيارة ترامب لدول الخليج العربي، أرسل لي أحد الأصدقاء الذين أحترم رأيهم جداً رغم اختلافي مع ما يطرحه في مناسبات كثيرة السؤال الآتي:
( هل ينظر النظام العربي للعراق بعد 2003 وفق منظور الأداء أم أنه ينظر للعراق بنظارة طائفية وثارات تاريخية....)؟
أظهر الانقسام الحاد في الآراء عندنا بين مرحب ومهلل لزيارة ترامب لدول الخليج العربي وبين المستهزئ بها وبأهدافها من جديد عمق الشرخ الطائفي الذي يحدد بوصلة آراء غالبية العراقيين وقد يكون العرب أيضاً. وليعذر القارئ الكريم لغتي التي سأستخدم بها مفردات طائفية أبغضها لكنها ضرورية للتعبير عن وجهة نظري. فخلال عملي في مجال الرأي العام العراقي منذ 2003 للآن وجدت أن المتغير أو العامل الطائفي يحكم آراء العراقيين تجاه مختلف القضايا السياسية المهمة ومنها علاقات العراق مع المحيط العربي والجوار الخليجي تحديداً.
الجوار حصن
فالسنة في العراق، والذين سأعالج آرائهم في مقال آخر، يجدون هذا الجوار حصناً لهم ودفاعاً عن وجودهم. أما الشيعة فيجدون في المحيط العربي عدواً رافضاً ليس لعقيدتهم فقط وانما لوجودهم ولحقهم في حكم العراق! بالتالي فأن هذا الجوار، وبالذات الخليجي، كان دوماً مصدر تآمر عليهم حتى أن صديقي هذا ذكرني بمقولة يتداولها كثيرون عن لسان شوارسكوف، قائد قوات التحالف في حرب تحرير الكويت 1991 تؤكد أن الأميركان -مدفوعين من دول الخليج على ما يبدو- لا يريدون ان يحكم الشيعة العراق بعد سقوط نظام صدام حسين!! وعلى الرغم من أني قمت وبمساعدة كل روبوتات الذكاء الاصطناعي المتوفرة باللغتين الأنكليزية والعربية بالبحث عن مصدر موثوق لما يقال ان الجنرال شوارسكوف قد قاله فلم أعثر على مصدر حقيقي له، الا أن الاستدلال بهذه المقولة وتصديقها يجعل من أمريكا راعية للطائفة السنية وعدوة للشيعة وهذا قول يخالف حقيقة انها هي من اسقطت نظام صدام السني وأقامت الحكم الذي يقوده الشيعة في العراق اليوم!! كما أنه يخالف حقيقة أن كثير من دول المحيط الخليجي السنية، ساندت غزو أمريكا للعراق السني في حين أن سوريا الشيعية آنذاك -كما يعتقد البعض- هي التي عارضت غزو العراق وسقوط النظام السني فيه. ثم أن سوريا الشيعية آنذاك كانت مركز لتدريب وارسال الإرهابيين للعراق الشيعي وهو ما جعل حكومة السيد المالكي تقدم شكوى رسمية في الأمم المتحدة ضدها. وإذا عدنا بالذاكرة لسنوات الثمانينات حيث الحرب بين بغداد السنية وإيران الشيعية، نجد ان القذافي السني تحالف مع خميني الشيعي ضد العراق السني!! وعندما قامت الحرب بين أذربيجان الشيعية وأرمينيا المسيحية تحالفت إيران الشيعية مع أرمينيا ضد أبناء جلدتهم!! سقتُ الأمثلة أعلاه للتدليل ان العلاقات بين الدول تحكمها المصالح وليس الاعتبارات الدينية الطائفية. وعندما يتم استثمار الغطاء الديني الطائفي للإضرار بمصالح دول أخرى فمن الطبيعي ان تتم اثارة السبب الطائفي لسهولة استثماره كسبب للصراع بدلاً من التركيز على الأسباب الحقيقية له. لا بد هنا من التذكير بأن دول الخليج العربي ومعها معظم الدول العربية المهمة كانت ضد نظام صدام وسياساته ولها معه حكايات تروى. وان كل تلك الدول فرحت بقيام امريكا بإراحتهم من تهديدات صدام لهم. لكنها بدأت تتخذ موقفاً آخر من النظام السياسي في العراق ليس بسبب إزاحته لسنة العراق من سدة الحكم، بل لأن كثير من المتحكمين بالقرار السياسي في العراق تحالفوا مع إيران سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. فعندما يصرح سياسيين عراقيين كبار بارتباطاتهم الايدلوجية وليس فقط الدينية مع «الثورة» الإيرانية التي ينص دستورها على تصدير تلك الثورة لدول الجوار فلا بد ان تشعر تلك الدول بخاصة القريبة من إيران والعراق -والتي لديها تواجد مهم للشيعة- بالقلق من استثمار الشعور الطائفي ضدها. وعندما يخرج بعض قادة الفصائل المسلحة في العراق معلنين عن ولائهم لإيران وقائدها وانهم مستعدين للحرب لجانبها إذا واجهت أي دولة فلا بد ان تقلق تلك الدول وتبدأ بالرد على هذه التهديدات عبر وسائل مختلفة، ومنها الاستعانة بالحليف الأمريكي. وعندما يصرّح احدهم علناً اننا في العراق لدينا سلاحَين أحدهما تسيطر عليه الدولة والثاني يرتبط بالعقيدة الدينية والولائية فمن المؤكد ان يخشى الآخرون تلك العقيدة على أمن بلدانهم.
سياسة الدول
السياسة أفعال وردود لتلك الأفعال. لذا علينا ان نعلم ان سياسة الدول تجاهنا لا ترسمها العقيدة الدينية، بل المصلحة السياسية والأمنية. فمن يشعر بقلق من سلوكك السياسي سيواجه ذلك القلق بإجراءات مضادة. ومن يشعر بأن علاقاتك معه تحكمها المصالح المتبادلة فسيعمل معك على هذا الأساس. فدول الخليج لم تقف من العراق الجديد موقفاً سلبياً لأنه شيعي، بل لأنها تعتقد انه يهدد مصالحها وامنها. وامريكا لم تسقط صدام لأنه سني، بل لأنه يهدد مصالحها. وإسرائيل لم تحتل فلسطين او تحارب الفلسطينيين باختلاف انتماءاتهم السياسية لانهم سنة،ولم تهاجم حزب الله لأنه شيعي بل لأنه يهدد أمنها. لا بل ان دول الخليج العربي كانت وما زالت لديها سياسات مختلفة واحياناً متناقضة تجاه ليبيا والسودان وإيران وحتى سوريا. ولم تكن نصرتها لجماعة على حساب أخرى في تلك الدول بسبب طائفي او ديني وانما لأسباب مصلحية ذاتية هي تقدرها. وقطر السنية من أقرب الحلفاء لأيران الشيعية. على هذا الأساس فأن زيارة ترامب للمنطقة وتحالفه مع دول الخليج وتركيا ليس لأنه يريد تنصيب اردوغان خليفة للمسلمين، ولا لأنه صار وهابياً او من الأخوان المسلمين، بل لأنه يقدر ان مصلحة أمريكا الاستراتيجية في هذه المرحلة هي أن تتحالف معهم وتتقارب معهم حتى لو أغضبت شريكها القوي(إسرائيل). وهنا اذكر بالنكتة التي كان يرددها البعض عن أوباما «الشيعي» الذي تحالف مع إيران ضد دول الخليج!! فهل تقارب أوباما مع ايران بسبب «شيعيته» ام بسبب تقديره لمصلحة بلده؟