الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الأصدقاء العابرون

بواسطة azzaman

الأصدقاء العابرون

كامل عبدالرحيم

 

 ماذا نفعل حين يموت أحد أصدقائنا هنا، هل نحتفظ بصداقته أم نفسح المجال لصديق آخر، لو امتثلنا لمبادئ الوفاء فحسب ستتحول صفحتنا إلى مقبرة وبالتالي علينا فلترة الأمر، الأصدقاء العابرون هنا أو قل غير المتفاعلين أو حتى الذين لم نكن نعلم أنهم أصدقاء إلا وقت سماعنا بوفاتهم سنعمد إلى تنحية حساباتهم أو دفنها إذا شئتم مع القليل من مشاعر العار والخيانة، أصدقاء آخرون نترك صداقتهم على حالها مثل وردة بلاستيكية في مزهرية يسقيها أحد أفراد العائلة.

هذا ما حصل مع صديق فلسطيني مات منذ أعوام وهو الصديق علي هتوكة Ali Hatuqa، حيث تقوم ابنته دلال بإرسال بعض الاشعارات استذكارا لأبيها أو عندما يموت أحد أصدقائه. اليوم وجدت مثل هذا الإشعار فقلت يا ألله مازلنا أصدقاء ياعلي ودخلت على صفحته أو صفحة ابنته، صوره القديمة وحديثها عنه وكأنه حي يرزق وصدمت عندما وجدت تعزية ومواساة من دلال لأبيها المتوفى بموت صديقه الكاتب رشاد أبو شاور، هل مات أبو شاور، نعم للأسف، العام الماضي.

في منتصف السبعينات وعندما ذهبت إلى بيروت كان في بالي ومن أهدافي أن أقرأ عن قرب لثلاثة، رشاد أبو شاور وعلي إسحق وهو نفسه سيتحول إلى Ali Hatuqa لاحقا وهو اسمه الحقيقي أما علي إسحق فهو اسم حركي نسبيا، أما الثالث فهو إبراهيم سلامة.

عام 1974 صدرت للكاتب رشاد أبو شاور مجموعة( البكاء على صدر الحبيب ) وقد أعجبتني لغتها القوية المتمردة وفي بعض الأحيان المرة وفيها يسخر منتقدا تقاعد الثوار وتخليهم عن قضيتهم، عندما يتقاعد الثائر ليحرك ردفيه على جهاز الفليبرز، جهاز الفليبرز كما هو معروف هو جهاز ألعاب ظهر تلك الفترة بديلا عن بقية الألعاب المعروفة للمقاهي، كان رشاد أبو شاور يكتب أحيانا لمجلة (إلى الأمام) لكنه يقيم وقتها في دمشق كما أتذكر، مجلة إلى الأمام كنت أتابع كل أعدادها مع مجلة( الهدف ) بالطبع، الأولى ناطقة باسم القيادة العامة جماعة أحمد جبريل والأخرى باسم الجبهة الشعبية/ جورج حبش، كان يعمل إلى جانب علي إسحق في المجلة الشاعر والكاتب شريف الربيعي، وقد نجحت بلقاء شريف مرة واحدة ولم ألتق بعلي إسحق أبدا، وبعد طردنا من مجلة الهدف( عملت فيها لوقت قصير جدا كمعاون لرياض البكري الذي كان يعمل كمشرف على صفحتها الثقافية)، عمل رياض في إلى الأمام كمشرف أيضا على صفحتها الثقافية ونشر بعض قصائده باسم أو أسماء مستعارة منها( كوران عبد الله ). عدت إلى بغداد وأنا مدمن على متابعة تلك المجلات التي بدأت بالانحسار أو الحجب أو المنع أو التوقف وهو كما حصل مع إلى الأمام، وكانت سياسة البعث في الثمانينات تشد جراء التعبئة للحرب وترخي قليلا لأهداف أخرى فكانت تسمح لعدد قليل من المجلات بالدخول والتداول وعلى الأغلب حينما تتدخل سلطات البعث بإصدار تلك المجلات بمالها السياسي وهكذا دخلت السوق مجلة( الأفق ) في صحراء الحياة الثقافية المجدبة آناء الحرب العراقية الإيرانية الصادرة من قبرص، وكان يرأس تحريرها علي إسحق نفسه فكانت متنفسا لي في تلك الأجواء المخنوقة، بعد أعوام وعقود وحين أصبحنا صديقين هنا، صارحت علي هتوكة أو علي إسحق بأنه عمل في مجلة تصدر بأموال صدام حسين فنفى الرجل ودافع بشدة بل قال بأن المجلة حوربت من قبل النظام ما أدى لإغلاقها لاحقا، عاش علي أيام شيخوخته الأخيرة بين عمان وقبرص حتى مات بهدوء.

في تلك الأيام أيضا ظهرت مجلة لم تستمر طويلا وربما منعت من التوزيع لاحقا في العراق كحال بقية المجلات وهي مجلة المستقبل ويرأس تحريرها الصحفي( إبراهيم سلامة ) وكان مثلي الأعلي في الكتابة وربما مازال رغم أني لم أقرأ له منذ زمن بعيد وكنت أظنه مات، لكن هذا الصباح وقد أصابتني حمى البحث بسبب عدوى علي هتوكة فأخذت بالبحث عن إبراهيم سلامة فوقعت عيني على مقال في جريدة النهار بعنوان(أين اختفى إبراهيم سلامة ) والمقال منشور العام الماضي، إذن هو حي وهناك من يسأل عنه غيري.

أسلوب إبراهيم سلامة يتسم بالتنوع والجزالة والسخرية المرة، ثقافته عالية ومعرفته عميقة لكنك لا تدرك أو تصل لمبتنياته الفكرية وهو أول ما يتبادر على ذهن كاتب منحاز مثلي، وتذكرت الآن لماذا انحسرت ذاكرتي منزعجة من ذكره بسبب زيارته ومقابلته لصدام، وعرفت لاحقا إنه مهتم ومتخصص بالشأن العراقي وقد زار العراق في أوقات مفصلية ساخنة، قد يكون منها عقب انقلاب 8 شباط، كما أنه واحد من صحافيين قلة ( من آسيا وأفريقيا ) تم اختيارهم لمقابلة الرئيس الصيني ماو تسي تونغ وفق معايير خاصة، تحدث طويلا ومرارا سلامة عن تلك الزيارة وتلك المقابلة في إقليم هونان والتي كانت حصته منها ثلاث دقائق فحسب وكان يرافقه في تلك المقابلة أو الزيارة الصحفي الفلسطيني ناجي علوش وهو من الكتاب المناصرين لفتح بنكهة بعثية ماوية ( أين هو الآن أيضا أو متى مات)، إبراهيم سلامة شاعر وقاص وله مجموعة قصصية عنوانها( جنازة كلب ) ويتحدثون عن مقابلته لصدام حسين بكامل مهابته ذلك الوقت حيث دخل سلامة إلى عرين صدام وهو يحمل في يمناه كوب شاي وفي يسراه كيس يحتوي على ثلاث تكات سيكاير كنت، لم يفعل صدام شيئا غير الابتسام والضحك قائلا( كلنا نتغير ويبقى إبراهيم على حاله ) وقد حصل من هذه المقابلة الإذن بمقابلة من

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 282 الشهر 12909 الكلي 11006913
الوقت الآن
الأحد 2025/5/11 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير