الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الوجه المبتسم للسماء

بواسطة azzaman

الوجه المبتسم للسماء

نوري جاسم 

 

في صمت الفجر وسكون السماء، حين يتأهب النور ليولد من رحم الظلمة، تشهد السماء في فجر 25 نيسان مشهدًا فريدًا، وهو اقترانًا ثلاثيًا بين كوكب الزهرة وكوكب وزحل وهلال القمر، يتجلّى كوجه سماوي باسـم، ينظر إليه اهل الأرض فتبتسم القلوب قبل الشفاه، وكأن الكون قرر أن يرسم ملامحه هذه الليلة، لا على الورق ولا على اللوح، بل في أعين المتأملين وقلوب العارفين، الزهرة ألمع الكواكب، تلمع كـ»عين الحب»، وزحل، سيد الزمن والحكمة، يلمع كـ»عين البصيرة»، وبينهما هلال رقيق يرسم ابتسامة السماء، لوحة تبدو للعين مجرد تَقارُبٍ مداري، لكنها للروح تجلٍ من عالم الغيب، وهنا، يعود بنا البصر والبصيرة إلى قصةٍ قديمة، إلى حلمٍ صار نبوءة: رؤيا سيدنا يوسف عليه السلام، حين قال لأبيه:

{إني رأيت أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين}. رؤيا نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام لم تكن مجرد منام، بل كانت وعدًا سماويًا بمقامٍ رفيعٍ وقدرٍ مقدّر، فسجود الكواكب، في رمزيته العميقة، هو سجود الجمال للحقيقة، وسجود النظام الإلهي لمَن تجلّى فيه النور الرباني، وفي هذه الليلة كأن الكون يعيد شيئًا من ذلك المشهد، ولكن هذه المرة لنا جميعًا، نحن أبناء الأرض، دعوة صامتة لننظر إلى السماء، ونفهم الرسالة، وفي تجارب الشعوب القديمة، كانت لحظات اقتران الكواكب تُعد إشارات لتحولات عظيمة؛ شعوب المايا والبابليين، والإغريق، قرؤوا في السماء مستقبلهم ومصيرهم، حيث لم يكونوا فلكيين فقط، بل متأملين، أدركوا أن الكون يتحدث بلغة الرمز، وأن لكل اصطفاف كوني معنى، ولكل شهاب رسالة، ولم تكن الرؤية السماوية حكرًا على الأنبياء، بل هي مفتوحة لكل من تطهّرت روحه من ضجيج الأرض. في هذه اللحظة، حين تتعانق الزهرة وزحل والقمر، ينفتح باب في القلب لمن شاء أن يدخل إلى مقام البصيرة، وربما هي دعوة أن نرى الحياة من جديد كما رآها يوسف عليه السلام: برؤيا، وصبر، ووعي أن السجود الحق ليس خضوعًا، بل تكريمٌ للروح التي تحيا بنور الله، ولعلنا إن نظرنا إلى السماء، رأينا أن الكواكب لا تتناحر، بل تسير في محبة لا تصطدم، في توقيت لا يختل، في انسجام يبعث الطمأنينة. فهل لا نتعلم نحن البشر من صمت الكواكب ما لم نتعلمه من ضجيج الأرض؟ أيها المتأمل، ابتسم حين ترى السماء تبتسم، وتذكّر أن الله يُلقي آياته في الآفاق وفي الأنفس، لمن أراد أن يتفكر، فلعل هذا «الوجه السماوي المبتسم» هو إشعار بأننا لسنا وحدنا، وأن السماء لم تنسَ أبناءها في الأرض، وأن الحلم، كرؤيا النبي يوسف عليه السلام، ما زال ممكنًا، وفي حضرة هذا الحدث السماوي، نُدعى لا لننظر فقط، بل لنتذكر: أن الرؤيا لا تزال تُكتب، وأن لكل منا كوكبه الذي ينتظر لحظة السجود، وصلى الله على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ...

 

 


مشاهدات 143
الكاتب نوري جاسم 
أضيف 2025/04/30 - 1:07 PM
آخر تحديث 2025/05/01 - 5:24 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 303 الشهر 303 الكلي 10994307
الوقت الآن
الخميس 2025/5/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير