الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
خطاب الصور الكاريكاتيرية في الصحافة العراقية

بواسطة azzaman

خطاب الصور الكاريكاتيرية في الصحافة العراقية

وليد النعاس

 

عن دار العالي للطباعة والنشر، صدر للباحث الأكاديمي (عدنان سمير دهيرب) كتابهُ الموسوم (خطاب الصورة الكاريكاتيرية في الصحافة العراقية (صحيفة المدى أنموذجاً) في طبعته الاولى، ضمن إسهام كتاباته البحثية في الاعلام والصحافة العراقية، يروم الكتاب إضاءة جانب من تمثيلاتها المعرفية، رصداً للسياسي والثقافي والاجتماعي لعراق ما بعد 2003.

 وفكرة هذا الكتاب لها أثرها في المتخيل العراقي، بوصف (فن الكاريكاتير) يستنطق المهمش والمطموس في حياتنا اليومية، بل يكون مصدراً مثيراً للخبر الشفوي أو الشائع اليومي، حين تعاد صياغته من خلال (فن الكاريكاتير) مثيراً يتلقاه الجمهور بصرياً،  وقد ألمح الباحث الى هذا الأمر بقوله: ((هذه الدراسة حاولت أن تدقق عن نقد نقائض

ض المجتمع كاريكاتيريا، كنوع من أنواع الاعمال الإبداعية الرافضة لما يجري في عراق ما بعد 2003، فاضحة طبقتها السياسية، ساخرة متهكمة منهم...، هادفة في صناعة خطاب توعوي رافض جهراً لمنطقي الفساد وحرية التعبير))

وكلام الباحث أعلاه ربما كان من جملة المسوغات في رحلة هذا الكتاب، توثيقاً بالصورة الساخرة، عن عراق ما بعد (2003)، بطريقة تسهم تأييداً للمدونات التي أرشفت تلك المدة، بما لها من سحر مؤثر في المتلقي العراقي، حين تكون تلك الصورة الكاريكاتيرية حواراً مفتوحاً مع الباصر لها، استدعاء لذهنيته وهو يعيش الهامش والتذويب في ظل أحزاب سلطوية ( غير مؤدبة)، تناسلت منها جراثيم امتدت الى جميع مفاصل الدولة العراقية. وعطفاً عليه كان هذا الكتاب رحلة أكاديمية مقتضبة عند خطاب الكاريكايتر وتمثيلاته في صحيفة المدى العراقية، باستنطاق موضوعتي موضوعي الفساد وحرية الرأي، فكان مفتتحه في مقدمة بينت جانباً عن الاختيار والقصد من تمثيلاته في صحيفة المدى، موضوعاً ومتناً على وفق منهجية تفترض آلية تحليل تتوافق عينات مادته، مستبقا اطاره النظري في تمهيد (لماذا صحيفة المدى)، على وفق مبررات أكاديمية، مع الأخذ بنظر الاعتبار الإشارة الى محاور دراسته بما يضبط ايقاعا، دون اسفاف أو ترهل بين محور وآخر، وجميع محاوره ربطت خيطياً مع ثيمة العنوان الرئيسية. ففي تمهيده يوقفنا الباحث (عدنان سمير دهيرب) عن مبررات اختياره لصحيفة المدى، إذ يراها من(( المؤسسات الثقافية التي اجتهدت في تدعيم النظام الجديد والحياة الديمقراطية وتحدي الخطوب))

ثم يؤكد ذلك في أسطر لاحقة عند صحيفة المدى(( كان ولاؤها للمواطن في نشر ما يعاني وتشخيص مواقع الخلل التي كانت سبباً في تلك المعاناة...، اضافة الى التزامها بعناصر اخرى كالاستقلالية والتحقق ومراقبة أداء السلطات...)) مما يشير ضمناً أن صحيفة المدى _التي عمل بها الباحث عدنان سمير دهيرب مدة من الزمن_ قد استحضرها هوية لجميع العراقيين في زمن فقدت فيه الهوية الوطنية ايام الاقتتال الطائفي والفوضى والفساد، فكانت تلك الصحيفة( المدى) بمثابة آخر يأتمنه الباحث شعوراً بالطمأنينة  وهذا ما لخصه في حكاية جانبية ذكرها في هامش الدراسة، واتماما في مقاصد الاختيار لصحيفة المدى، كان رسام الكاريكايتر( بسام فرج) مقترحه المبرر أكاديمياً.

معالجة صحفية

 موضحاً للقارئ جانباً من اسباب الاختيار، أن رسومه(( الساخرة وسيلة تواصل شعبية فاعلة...، وشكل من أشكال انتقاد الاوضاع الاجتماعية والسياسية بأسلوب ساخر وهزلي...، متآلفاً باللون ومنسجماً مع المحتوى)). (خطاب الصورة :١٧) وإذا انتقلنا الى محوره الاول الموسوم (المعالجة الصحفية الساخرة للفساد)، يقدم الباحث عرضاً مكثفاً يستبق اطاره التطبيقي، حين يقف على قضايا لها تماس مع متنه التطبيقي بدءاً من اعادة مفهوم الفن بوصفه رسالة الاعلام الاولى لدى الحضارات القديمة مؤكداً ذلك بقوله (( إن أول نص اعلامي وبشري في التاريخ، حتماً رسوم الانسان البدائي الأول على جدران كهفه المظلم))، وكيف توسلها الانسان في  الازمان اللاحقة، وصولا الى درس خصوصية الفن العراقي، وقوفاً على نماذجها وخصائصها الدلالية.

 وتمايزاً لبلاد الرافدين عن سواها من الحضارات الاخرى، ثم عابراً منها الى درس( الكاريكاتير في الصحافة العراقية)، موثقاً تلك التجربة الإبداعية في تدويناتها الاولى وطرائق معالجتها، التي ينبغي الوقوف عندها، تآلفاً مع تاريخنا السياسي والثقافي، كاشفاً الجهود الاولى بوصفها وثائق لها مصاديقها في الذاكرة العراقية، وجزءاً لا يتجزء عن التحولات الفكرية التي ربطتها بسياقات اجتماعية، مع ايجاد صلة عضوية بين تلك الخطابات (رسوم الكاريكاتير) وبين ملموسها الواقعي في رسم وتقديم مشاهد من حياتنا في تلك الازمنة، وقد أدى ذلك _على حد قول الباحث_ (( الى جعله ظاهرة مهمة في الصحافة، يلتقي الفنان من خلال صفحاتها مع الجمهور ويحصل على شعبية بواسطتها)).. وبحرفته البحثية ينقلنا إلى موضوعتي خصائص رسم الكاريكاتير والتمثيلات التي تخيرها، والأخيرة هي عماد بنيته التحليلية التي أوقفنا على اشتغالاتها ومكوناتها، خطاباً له مفعوله في الذائقة التي تعاينه، محللاً إياها، ومستخلصاً دلالاتها الاجتماعية والسياسية السمتنبطة من الصورة الكاريكاتيرية لأنها لم تكن رسوماً صماء،

إنما هي لوحات تحكي الألم العراقي _بعد 2003 _بصورة ذكية ساخرة ومؤلمة في الوقت نفسه، وهي تصور قبح فساد احزاب السلطة، وامتدادها القذر في جميع مفاصل الحياة العراقية، من أعلى هرم في السلطة الى مؤسسات الدولة بشتى تفاصيلها، وقوفاً على اساليبها واشخاصها وطرائق فسادها، مشخصة حكايات سرقاتها التي أصبح يمثل ضميرها الجمعي، وقد انزاح الحياء عن رجالاتها، دون أي رادع يردعها. وهنا نسجل للباحث ذكاء في استدعاء تلك التمثيلات (رسوم الكاريكاتير)، حين تخير نماذجها في مدة زمنية مفتوحة لما بعد(٢٠٠٣)، بعنى آخر حضور حسه الاكاديمي الذي يجعل عينات بحثه تتوافق كلياً مع تلك الحقبة السوداء، والتي يمكن أن يطويها النسيان أو يتغافل عنها المؤرخون، فكانت اختيارات الباحث (عدنان سمير دهيرب) غير اعتباطية إنما مقصودة لذاتها، وبحسب قوله: (( تلك الصور التي اختزلت مرحلة مهمة من تاريخ العراق المعاصر)) عند الفساد و المفسدين. وبذات الغنى المضموني جاء محوره الثاني الموسوم( المعالجة الصحفية الساخرة لحرية التعبير والرأي) فثمة كشف ممتع في خطاب الكاريكاتير وهو يعري البيئة السياسية في قضية حرية الرأي، كاشفة احباط المجتمع العراقي على مستويي المشاعر والوجدان في الخروج من نظام شمولي (قبل ٢٠٠٣) إلى آخر يعيد استنساخ النظام السابق _في تكميم الافواه _ حضوراً جديداً بملامح القديم لكن بطرائق أخرى، فكانت رسوم الكاريكاتير تمثيلات تلامس ذهنية الفرد العراقي وتصوراته إزاء زيف احزاب السلطة، وقد تقصد الباحث (عدنان سمير دهيرب) تمهيداً يستبق تمثيلات متنه، وقوفا على جذور الصورة الفنية في العراق، والكاريكاتير في الصحافة، وخطاب الصورة بوصفها إطاراً نظرياً عند فضاء من الكاريكاتير، وبالكيفية نفسها في ملامسة حرية التعبير والرأي، خطوطاً حمراء لأحزاب السلطة، وعلى حد قول الباحث، انهم صاغوا قوانين(( ومواد عقابية جديدة تعطي الحق...، منع أي اجتماع أو تظاهرة سلمية...، وعقوبات مالية وبدنية...، تمنح المسؤولين في الحكومة الحق تحت غطاء القانون، بمنع حرية التعبير للمواطن وسلب ارادته، باخفاء مصطلحات عقابية تعود بالشعب الى حقب الدكتاتورية والاستبداد)) (خطاب الصورة: 64)، وما يميز هذه الدراسة، انها لم تلتزم بهويات أثنيه أو عرقية أو نحو ذلك.

إنما تقصدت تجاوزها، الى رؤية موحدة عن وجع العراقيين مع أحزاب السلطة، وكشف فسادها وزيفها ضمن خطاب الصورة، تحليلا ضمن ارتباطه بالواقع المعيش مآس وعذابات في عراق ما بعد 2003.


مشاهدات 346
الكاتب وليد النعاس
أضيف 2024/04/05 - 11:35 PM
آخر تحديث 2024/05/05 - 2:53 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 426 الشهر 2000 الكلي 9140038
الوقت الآن
الأحد 2024/5/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير