الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
 يوميات الروائي طارق الكناني.. حينما يرتقي القاع يمكن أن يكون (المجاري) قاضياً

بواسطة azzaman

 يوميات الروائي طارق الكناني.. حينما يرتقي القاع يمكن أن يكون (المجاري) قاضياً

 حميد الحريزي

((عالم الحيوان هوأنقى وأطهروأصدق من كل العوالم الأخرى))رص14.

رواية (يوميات مجاري) للكاتب  طارق الكناني، يسفر عنوانها عن مضمونها  السردي ، فهي تتحدث عن حياة وكفاح شاب من قاع المجتمع  ومن طبقة فقيرة معدمة (مجارية ) هذه المهنة التي يراها المجتمع عموما بعين الدونية والوضاعة لأنها تمتهن الحمالة بواسطة عربات خشبية تجرها الحمير ومعروفة منزلة الحمير في المجتمع المنظور لها بعين الاحتقار بقدر ماينظر الى الخيل بعين الرفعة والأنبهار ، وأذاأريد توصيف فرد  كغبي ومحتقر وواطيء يقال له حمار ، على الرغم من كون الحمار حيوان مسالم صبور غير مؤذي له قابيلة كبيرة على تحمل المصاعب والمتاعب ولكنه محتقر مهان لا لشيء الا لأنه دابة الفقراء والمعدمين وهو صاحب (انكر الأصوات)  فهو مهان في الارض والسماء ، على العكس من  الخيل باعتبارها دابة الأثرياء والأمراء والسلاطين ولها شجرة نسب وحسب ويقال فيها الشعر والأدب ...

الراوي هنا يتحدث حول مدينته التي جمعت مختلف القوميات والأعراق من عرب وفرس وبلوش وباكستانيين واتراك  وغيرهم  حيث تبدو كمدينة أممية الانتماء من حيث الأقوام الساكنة فيها،الراوي العليم  ليتخلص من حالة الضوضاء وضجيج المدينة توجه الى  مزرعة له خارجها وقرر شواء داجاجة لتكون  كوجبة غداء له  ولاحفاده ، اصطحب معه صندوق خشبي غريب الشكل أراد أن يستعمله كوقود لشوائه ولكنه  حينما فتحه بصعوبة وجد بداخله  اوراق  مكتوبة بخط  دقيق وأسلوب  جميل عباره عن يوميات مجاري ، وهنا أستبدل دوره كرواي عليم لأحداث الرواية بهذه المذكرات التي يروي فيها كاتبها الشاب القروي (المجاري كريم) تفاصيل حياته وعائلته وماجرى له ولها من تحولات وأحداث فأصبح هو الراوي كلي العلم  .

شابة جميلة

عائلة (لمجاري) مكونة من والدته  وأخته شهلة  وحمارته وجحشها الذي يصفه  بابن سفاح لانه  كان نتيجة علاقة  جنسية  بين اتانته وبين  حمارجارته الشابة الجميلة (شهيدة) التي قتل زوجها نتيجة عراك في أحد مقاهي المدينة . وكان  الشاب (المجاري) كريم يبادلها  بعض مداعبات الحب البريء، حيث استهوته شهيدة وأذت تحاول الاحتكاك به دون الأيغال بعيدا في هذه العلاقة  الغرامية بين شاب وشابة .

كريم كان يواصل دراسته على الرغم من ظروفه الصعبة ومسؤوليته عن عائلة ، كان طموحا وضع لنفسه هدفا في تحقيق مستقبل أفضل له ولعائلته والخروج من عالم البهائم الى عالم  الاوادم كما يسميه . كاد هذا الحلم أن يتبخر حينما استدعي للخدمة العسكرية الأجبارية (خدمة العلم) كما يدعون ، ولكنه تمكن الأفلات من هذه الخدمة بمعونة ومساعدة رئيس عرفاء الوحدة  حيث لفت انتباهه كريم بسبب انضباطه وعزلته ، وعلم انه يواصل دراسته  على الرغم من عسكرته ، اشار عليه ورسم له خارطة طريق الخلاص من الخدمة الاجبارية باعتباره الممعيل الوحيد لعائلته ، وبالفعل حقق هذه الأمنية ، وتفرغ لعمله ولدراسته محرزا تفوقا  في دراسته الخارجية بمعدل 75% في الأعدادية مما أهله لدخول كلية الحقوق  والنجاح   منهيا  دراسته فيها بتفوق ، ولكنه كان يطمح أن يكون قاضيا ، وقد تحقق له الأنتماء الى معهد القضاء الذي فتح حديثا لتخريج قضاة أكفاء من الطلبة المتفوقين في دراسة الحقوق  وقد كان له خير عون  عميد الكلية الذي كان مسؤولا عن  هذا المعهد ، تخرج قاضيا بتفوق  وعين أول الأمر في محافظة المثنى السماوة  متدرجا في مناصبه الى حاكم استئناف  ووو ، ثم  عاد منقولا  الى مدينته كربلاء مرة ثانية صحبة زوجته وطفله الأول.

قصة حبه  وزواجه :-

في كربلاء وقعت عينه على معلمة  جميلة  جذابه كثيرة الشبه  بعمته (حوري) الجميلة المجدولة الضفائر الشقراء التي كان يجهل مصيرها حيثأصطحبها يوما عمه  فظ الخلق وخشن الطباع والذي كان لايحبه ان لم نقل يكرهه لفجاجته  وقساوته ،اخذ يتبادل النظرات مع (سارة) وقد كانت متزوجة من أحدهم ، ولكنها بادلته نظرات الأعجاب والاستئناس كما احبتها أخته شهله ، ولكنها أخبرته انها  متزوجة وليس لديها أطفال ، ولكن يحدث أن طلبت سارة الطلاق من زوجها لأنه اراد أن يتزوج بثانية  ليتنجب له الاطفال ، فكانت فرصة مناسبة لساره للخلاص من زوج شاذ مثلي الجنس كما روت  ذلك  لكريم لاحقا  مع عامله (( عمار)) ... مما سهل عليه  طريق الأرتباط بساره حلمه المنتظر  بمباركة  أخته (شهلة) كثيرة الشبه بعمته حوري والتي   اكملت دراستها في كلية الطب ونجحت بتفوق  وتزوجت من  أحد اساتذتها الدكتور حيدر  ابن الآغا  والذي يظهر لاحقاً انه ابن عمتها حوري من الآغا  حيث تزوجها بعقد  مؤقت حينما كانت خادمة في دارهم ولكنه تنكر لها ولأبنته وهي حامل وطردها الى بيت أهلها ، وقد قام العم الفظ اخيها الاصغر بقتلها غسلا للعار دون علم وموافقة شقيقه الأكبر أبو كريم الذي تكفل الطفلة (شهلة) ونسبها لنفسه  فهي اذن في الحقيقة ابنة عمة كريم وليس أخته  ولكنه علم ذلك بعد حين حينما   أباحت له والدته السر قبيل وفاتها . حصلت شهله على  شهادة الدكتوراه في الامراض النسائية من لندن وأصبحت من أثرياء مدينة كربلاء لان الآغا حينما  علم باقتراب أجله   بلغه الندم عما فعل  بحورية ام شهلة وتنكره لها فأوصى بأغلب أملاكه وعقاراته واماناته المصرفية في البنوك  باسم شهلة دون علم بقية ورثته عسى ان يكفر عن ذنوبه .

يؤشر لنا الروائي الاستاذ طارق في روايته  هذه وبأسلوب سردي جميل وبليغ  وسهل الفهم  الى الأمور التالية :

•           أولا أن الانسان مهما كانت ظروفه الحياتية والمعاشية  وتدني طبقته الأجتماعية يمكن أن يحقق أحلامه وأهدافه بقوة التصميم والصبر والتصميم  ومساعدة الناس الطيبين من حوله والذي لايخلو مجتمع منهم .

•           الظلم والتعسف الصارخ الذي تتعرض له المرأة العراقية في مجتمع ذكوري متخلف من خلال قصة مقتل  حورية الانسانة الشريفة والجميلة والتي تعرضت لغدر الاغا الثري المتنفذ  ، فعوقبت بالقتل دون ذنب في حين ترك الفاعل المجرم الحقيقي دون عقاب  وما أكثر مثل هذه الحالات في مجتمعنا العراقي .

تغيير كبير

•           ما تعرضت له المدن العراق من  الترييف وتغيير كبير في القيم والعادات  بسبب الهجرة من الريف الى المدينة لأسباب عديدة في مقدمتها حروب الديكتاتور ، وشحة المياه أحيانا وانعدام الزراعة .

•           القيم العنصرية والشوفينية البغيضة التي يتعامل بها سكان المدن ((الأصليين)) حتى وان كانوا من أهل البلاد من فرس واتراك وغيرهم مع الناس المهاجرين الى المدينة من الريف ومن الاطراف ووصفهم ب((اللفو)) وليس أبناء(ولاّية) كما يصفون أنفسهم حتى وان كانوا من سكانها  منذ عشرات السنين وهذه الظاهرة موجودة بشكل صارخ في مدينة النجف وكربلاء فتكون بذلك مدن طاردة بدلأن تكون جاذبة بأعتبارها مدن زائرين وسواح ، وتوجد مثل هذه السلوكيات  في  بغداد أيضا ضد أبناء المحافظات الجنوبية منها على وجه الخصوص ((الشروكيه)).

• القمع السلطوي من سجن وقتل وتشريد تعرض له المواطن العراقي من مختلف  المستويات والطبقات من قبل  أجهزة الحكم البعثي الصدامي  بحق كل من لاينتمي للحزب القائد ولا يعلن الولاء للقائد الضرورة  ويشك في ولائه للقائد حتى وان كان بعثياً .

•           مهما كان الحاكم قاسيا ومتجبرا لايمكن أن يمحو القيم الأنسانية والتضامنية بين أبناء الشعب الواحد وعلى وجه الخصوص شعب مثل الشعب العراقي ، فكان عميد الكلية ومساعدته لكريم ،وكانرئيس العرفاء ،وكان كريم ومساعدته لمعارضي النظام ومساعدته  للمسكينة المظلومة شهيدة ...الخ .

•           أشر لنا الروائي أن الحاضر الواقع أبقى من الماضي وتفاصيله ، مما  دفعه الى اتلاف كل الوثائق التي تؤشر الى نسب اخته شهله وانها أبنة حورية من الآغا، بل هي شقيقته من أمه وأبيه ، وكتم سر  الثروة التي منحها الآغا لشهلة لتلافي مشاكل بقية الورثة .

•           في ختام الرواية يسلم الراوي العليم الصندوق ومحتوياته الى كريم الراوي كلي العلم محافظا على خصوصيته وخصوصية ماورد من أحداث  لتكون ملكا لاصحابها دون غيرهم .أرى انها كانت رواية غنية من حيث المضمون  المشبع بروح الانسانية والأطلاع الكبير للروائي على قاع المجتمع العراقي  ومعاناته وتحولاته ، وكذلك موضوعية السرد ، والتنوع المكاني والزماني  للاحداث ، ترابط وقوة الحبكة السردية ، ومهارة اختيار مذكرات المجاري ليكون الراوي كلي العلم أثناء سرد الاحداث  وبضمير الأنا . وأن كان أسلوبها السردي بحاجة الى جرعة شعرية لتضيف على السرد المزيد من الرقة والجمالية ، كذلك كانت الشخصيات الرئيسية والثانوية في الرواية بحاجة الىالمزيد من التعريف والتوصيف من حيث الشكل والملامح والعلامات والعادات الفارقة لترتسم في مخيلة القاريء كصورة مجسمة وليس أسما ومهنة فقط.وعلى العموم يقال اذا اكتمل الشيء مات فلاتوجد رواية كاملة مكتملة من كل الجوانب ، ولكنها رواية ممتعة تنتسب الى الواقعية الانتقادية أبدع الكاتب في دخول عالم المهمشين والقاء الضوء على معاناتهم  وظروف حياتهم ..


مشاهدات 170
أضيف 2023/06/03 - 12:25 AM
آخر تحديث 2023/10/02 - 1:21 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 283 الشهر 1098 الكلي 8907016
الوقت الآن
الثلاثاء 2023/10/3 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير