الضوء ينتظر
ثامر محمود مراد
لم يكن الضوء ضعيفًا، بل كان حاضرًا، يكشف ما خفي ويعرّي ما تُستّر، لكنه اصطدم بعيون مغمضة عن قصد، بأجساد شاخصة نحو السلطة، لكنها عمياء أمام الحقيقة. في بلدٍ يُصاغ فيه الواقع بالوعود الكاذبة، ويُلبس الناس أقنعة الطاعة، يصبح الضوء تهديدًا، لا هدية. النور يكشف القادة الذين يتباهون بالعدل بينما يسرقون الحقوق، ويفضح المؤسسات التي تُعلن الشفافية بينما تتستر على الفساد. ومع كل هذا، تظل العيون مغمضة، يفضّل أصحابها الخضوع على المساءلة، والصمت على الصراخ، والخنوع على الثورة. العيون المغلقة ليست بريئة، بل هي مشاركة صامتة في الظلم. إنها تواطؤ يومي، إهمال مستمر، اختيار طوعي للجهل. في كل مكتب، وفي كل شارع، في كل تجمع، هناك من يرى الظلم لكنه يتظاهر بالعمى، هناك من يسمع النداء لكنه يرفض الاستجابة، هناك من يعرف الحقيقة لكنه يبيع ضميره لأجل راحة مؤقتة. الضوء ينتظر. ينتظر لحظة الشجاعة، لحظة استيقاظ العقول، لحظة رفض الخداع. لكنه يظل بلا جدوى طالما استمر الناس في إغلاق أعينهم، طالما استمرت السلطة في اللعب على الجهل والخوف. وهنا تكمن المأساة: ليس في ضعف الضوء، بل في صمت العيون، وفي رضوخها للسطوة، وفي خيانتها لواجبها تجاه الحقيقة والوطن. حين تُفتح العيون، تنهار الأكاذيب، وتنهار السلطة على أسسها الهشة، ويبدأ الفساد في التلاشي أمام إرادة الشعب المستيقظ. حتى ذلك الحين، يظل النور شاهداً وحيدًا على زمنٍ اختار العمى، زمنٍ فضّل القطيع الطائع على الفرد الشجاع، زمنٍ لم يعد فيه الضوء كافيًا ما لم يجرؤ أحد على النظر إليه.